Site icon IMLebanon

ماذا فعل الجيش في 14 آذار؟

 

الرئيس ميشال سليمان ومحطات في القيادة والرئاسة والعلاقة مع “حزب الله”» (٢ من 7)

لم تكن هناك معلومات مسبقة لدى قيادة الجيش حول التحضير لعملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. بعد الإغتيال كان هناك قرار سياسي بمنع التظاهرات ولكن الجيش كان همّه الحفاظ على الأمن. لم يمنع لا تظاهرة 8 آذار ولا تظاهرة 14 آذار. وحمى عملية الإنتخابات النيابية في صيف 2005 التي انتقلت فيها الأكثرية النيابية إلى قوى 14 آذار. هذه الحلقة من قصة عهد الرئيس ميشال سليمان وعلاقته بـ»»حزب الله»» الذي بات يعطيه مثلاً عن الرئيس الذي لا يريده، تتناول تفاصيل هذه المرحلة.

بخلاف معركة جرود الضنية أواخر العام 1999 وبداية العام 2000، في معركة مخيم نهر البارد التي بدأت في 20 أيار 2007 واستمرت حتى 3 أيلول، لم يكن السوريون هنا، كان الجيش السوري قد انسحب. نجح الجيش اللبناني مرة ثانية في منع تأسيس ما كان يطلق عليه نواة الإمارة الإسلامية في شمال لبنان. جرت المحاولة الثالثة بعدما ظهرت نواة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا بين عامي 2012 و2013. حاولوا نقلها إلى لبنان ولكن هذا الأمر حصل في ظل عهد الفراغ وبعدما ترك الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا حيث أنّ دخول مسلحي التنظيمات الأصولية المعارضة للنظام السوري إلى عرسال وجرود عرسال حصل في آب 2014. صحيح أنّه كان هناك متطرفون ضد النظام السوري وكانت تحصل معهم مشاكل ولكن عندما دخلوا إلى عرسال لم يكن هناك رئيس للجمهورية. عندما حصلت معركة نهر البارد كان قرار رئيس الجمهورية إميل لحود ضعيفاً وكانت التغطية السياسية من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي كان «حزب الله» يعارضها ويريد مع «التيار الوطني الحر» إسقاطها ويعتبرها الرئيس نبيه بري فاقدة للشرعية وبتراء. هذا الأمر يدعو إلى التساؤل حول خطورة الفراغ الرئاسي. جماعة الضنية كانوا مرتبطين بالقاعدة وأحد قادتهم الملقب «أبو عائشة» كان معجباً بأسامة بن لادن وبن لادن معجباً به. هو أعطاه الأوامر ليتحرك أم لا؟ ليست هذه القاعدة. القاعدة أنه كان ينتمي إلى الفكر المتطرِّف الذي يكفّر كل الناس ولا يؤمن بمفهوم الدولة والديمقراطية ويحكي بالإمارة أو بالدولة الإسلامية.

 

إغتيال الحريري

 

قبل معركة نهر البارد كانت حصلت عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي أدت تداعياتها إلى خروج الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان 2005. هل كان لدى قيادة الجيش معلومات حول اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟

 

تقول الأوساط التي رافقت عهد الرئيس سليمان إنّه قبل الإغتيال لم يكن هناك جوّ حول التحضير لعملية من هذا النوع. كان هناك جوّ غضب على الرئيس الحريري من قِبَل ما يسمّى «جماعة الممانعة» وكان هذا الجوّ معروفاً من الجميع وظاهراً ومعلناً. لم يكن هناك ودّ تجاهه. ويا للأسف لم تكن هناك معلومات مسبقة حول التحضير العملي لعملية الإغتيال.

 

التحقيق الأولي حول شبكة الإتصالات كان مصدره من التنصت في مديرية المخابرات، حصل ذلك بعد العملية. قبلها لم تكن هناك معلومات عن مثل هذه الشبكة. الحقيقة ظهرت في عمل لجنة التحقيق الدولية وفي المحكمة الدولية ومن خلال التقرير الذي أعدّه النقيب وسام عيد في شعبة المعلومات التي كان يرأسها اللواء وسام الحسن، التابعة لقيادة قوى الأمن الداخلي.

 

الدستور فوق القرار السياسي

 

بعد اغتيال الرئيس الحريري ظهر الغضب في الشارع خلال التشييع في 15 شباط ثمّ من خلال الدعوة إلى الإعتصام في وسط ييروت من أجل المطالبة بتحقيق العدالة. بدا وكأنّ هناك عملية تغيير كبيرة ستحصل وأنّ هناك مواجهة ستقع. قوى معارِضة للوصاية السورية في لبنان تحضّر للتحرك وقوى مؤيّدة لها ومُمَثَّلة في السلطة والحكومة تريد منعها الأمر الذي هدّد بمواجهة كبيرة، وكان على الجيش أن يتخذ التدابير المناسبة لحماية ما تبقى من استقرار. وإذ وجدت الحكومة برئاسة الرئيس عمر كرامي نفسها ضعيفة في مواجهة المدّ الشعبي المتنامي طلبت من الجيش منع الناس من الوصول إلى ساحة الشهداء بعد الدعوة إلى التحرّك الكبير في 14 آذار التي أتت بعدما كان رئيس النظام السوري بشار الأسد أعلن في 5 آذار أنه سيلتزم سحب جيشه من لبنان.

 

هنا، تقول الأوساط إنّ قائد الجيش العماد ميشال سليمان احتكم إلى الدستور. الدستور يسمح للناس بحرية التعبير ويطلب حماية الممتلكات والأشخاص. قائد الجيش مسؤول عن تنفيذ هذا الأمر. هم، أي السلطة السياسية، «ما كان بدّهم الناس يتظاهروا وما كان بدّهم المظاهرة تصير». رأي الجيش كان إذا أرادوا أن يتظاهروا فليتظاهروا ضمن ما يسمح به القانون ومن دون الإعتداء على الممتلكات والأشخاص، وتمّ الإلتزام بهذه الأمور.

 

كان هناك قرار متّخذ في الحكومة بمنع التظاهر. أوّل تظاهرة كبيرة أسقطت حكومة الرئيس عمر كرامي الذي استقال في 28 شباط 2005. القرار السياسي كان يريد منع التظاهرات ولكن قائد الجيش تصرف بما يسمح به الدستور واعتبر أنّ القرار السياسي ليس أقوى من الدستور. القرار السياسي يستطيع أن يقول لك احفظ الأمن ولا يمكنه أن يقول لك إمنع حرية التعبير في موضوع وطني وحساس في هذا الشكل. لو كانت هناك مثلاً تظاهرة تأييد لدولة معينة ضد لبنان فهذا موضوع مختلف. هؤلاء كانوا يتظاهرون لأنهم يطالبون بمعرفة الحقيقة، حقيقة من اغتال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري. فلماذا يجب أن يمنعهم الجيش؟ بين القرار السياسي والدستور اختار قائد الجيش العماد ميشال سليمان الدستور الذي يحمي حرية التعبير والتظاهرات السلمية.

 

الفرق بين 14 آذار و17 تشرين

 

هل يشبه هذا التصرف ما حصل في ثورة 17 تشرين 2019 مع قيادة العماد جوزاف عون؟

 

بحسب الأوساط نفسها، لا يمكن المقارنة بين المرحلتين لأنّهما غير متطابقتين. ثورة 14 آذار كانت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وكانت تطالب علناً بتحرير لبنان وخروج الجيش السوري منه وباستعادة الإستقلال. أمّا ثورة 17 تشرين فكانت مطالبها المعلنة حياتية اقتصادية وكانت متشكّلة من ناس يرفضون السلاح غير الشرعي وآخرين لا موقف لهم وغيرهم ممّن هم مع هذا السلاح أو لا يريدون نزعه او يعتبرون أنّ المرحلة ليست مؤاتية لطرحه. لم تكن هناك مطالب محدّدة واضحة في ثورة 17 تشرين. في 14 آذار لم يكن هناك عنف ولكن كانت المطالب واضحة. بعد ثورة 17 تشرين حصلت أعمال عنف. المتظاهرون المندسّون وغير الحقيقيين كانوا يأتون ويعتدون على قوى الأمن والممتلكات وعلى الجيش. في 14 آذار لم تحصل ضربة كفّ. هل كان القرار السياسي عادلاً ومستقلاً؟ هذا ما كان يجب أن تعرفه قيادة الجيش لترى ما إذا كان عليها تطبيق قرار منع التظاهر بالقوة. عندما يصدر مثل هذا القرار وتكون هناك شخصية كبيرة تمّ اغتيالها فمعنى ذلك أنّه قرار غير عادل وغير مستقلّ وفيه ظلم وتطرّف في الموضوع السياسي. وبالتالي كان هذا «القرار مش مظبوط» ولذلك لم ينفّذه قائد الجيش ميشال سليمان. طبعاً لم يقل علناً إنّه لن ينفّذه ولكن على الأرض أعطى التعليمات للوحدات المنتشرة بعدم منع التظاهرات. ليس قائد الجيش هو الذي أتى بالناس من منازلهم ليتظاهروا. أتوا لوحدهم ومن كل المناطق ومن كل الطوائف. في 8 آذار 2005 يوم تمّت الدعوة لتظاهرة التأييد والشكر لسوريا لم يمنع الجيش الناس من الوصول إلى وسط بيروت وساحة رياض الصلح فلماذا عليه أن يمنع تظاهرة 14 آذار؟

 

كان هذا التصرف مثالاً يُحتذى أعجِبت به الدول كلها على خلفية كيف أن الجيش حمى الدستور وكفل حرية التعبير بمعزل عن قرار السلطة السياسية الجائر. لو لم يحصل هذا الأمر، لو بالعكس حصل الصدام وجرت محاولة منع التظاهرات بالقوّة وبالقمع لكان الربيع العربي الدامي قد بدأ من بيروت في 14 آذار 2005. بالطريقة التي تصرّف بها الجيش ومن خلال تعاطيه الراقي مع المتظاهرين تجنّب جرّ لبنان إلى ربيع عربي دامٍ. ما ساعد قيادة الجيش والجيش في هذا المجال أنّ المتظاهرين أنفسهم كانوا إلى حدّ كبير منضبطين ولا يمكن نكران هذا الأمر وحتى لو سئل عنه قائد الجيش ميشال سليمان فهو لا يمكن أن ينكره لأن هذا الإنضبط ساعده في تحمل تبعات قرار السماح بالتظاهر.

 

مرّة نشرت صحيفة موالية لمحور الممانعة أنّه سيتمّ منع التظاهر وإزالة خيم المعتصمين المطالبين بالحقيقة في ساحة الشهداء ، وكان الجيش طلب إزالتها قبل صدور هذا الخبر في هذه الصحيفة. بعد نشره صدرت تعليمات معاكسة بعدم إزالة الخيم وباستمرار الإعتصام. كان هناك توافق بين قيادة الجيش ومندوبين عن المعتصمين كانوا على تواصل معها بإزالة الخيم بعد التظاهر، «بعد التظاهر بتشيلوا الخيم»، وكانوا موافقين وكان هناك دور بارز لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في هذا التنسيق من خلال علاقته بقائد الجيش ميشال سليمان. «لما صار هيك ما عادوا شالوا الخيم». لم يبلغهم قائد الجيش بذلك ولكن من خلال الإتصالات فهموا أنه ليس مصرّاً على إزالتها. فتركوها.

 

عندما بدأت التظاهرة يوم 14 آذار صارت السلطة السياسية تشتكي عند الجيش وصاروا يقولون «من هون مرّ 4 متظاهرين ومن هون مرّ 5»، ولكن ما حصل أن مئات الألوف نزلوا إلى ساحة الشهداء وما كان معهم سلاح ولا معهم قنابل، كان معهم ورود قدّموها إلى الجيش وصور اتهامية لعدد من الشخصيات السياسية والأمنية. هذه الصور كان يمكن أن تشكِّل مشكلة للجيش. كانت هناك تعليمات من القيادة للضباط والعسكريين بأن يبقوا منضبطين وألّا ينفعلوا تجاه أيّ استفزاز أو أيّ شعار يتمّ رفعه في وجههم. كان يمكن أن يرفعوا صورة قائد الجيش مثلاً. من كان يمكنه أن يقدِّر؟ لا أحد. كانوا يرفعون صور رئيس الجمهورية إميل لحود والضباط الأربعة وقادة الأجهزة الأمنية ويطالبون برحيلهم ومحاكمتهم.

 

«اعملوا حالكم ما شفتوا شي، هيدا كلو موقّت ويزول» أتت التعليمات يوم 14 آذار إلى العسكريين على الأرض. «بتشوفوا بس إذا في سلاح أو إذا صار اعتداء». كانت تحصل اجتماعات للعسكريين والضباط ليلاً تحضيرا لليوم التالي. كان قائد الجيش يجمعهم في القاعدة البحرية القريبة من ساحة الشهداء. كان هناك خوف من حصول تفلّت أمني ومشاكل غير محسوبة أو مفتعلة وفي النهاية تمالك الجيش أعصابه وبقي منضبطاً في حدود التعليمات على رغم أنّه في تشكيلته متنوِّع طائفياً وعائلياً وسياسياً. كان هذا بمثابة الإمتحان الأقسى للجيش وقد اجتازه بنجاح.

 

لا إشكالات مع «حزب الله»

 

الإختبار الثاني الذي اجتازه الجيش كان في تأمين حماية الإنتخابات النيابية التي حصلت في صيف العام 2005 وانتقلت فيها الأكثرية إلى قوى 14 آذار. هل طلب من الجيش أن يتدخّل في تلك الإنتخابات؟

 

لم يتدخّل الجيش في هذه الإنتخابات. لم يُطلب منه ذلك ولا هو فعل. كانت هذه الأمور تحصل في مراحل سابقة ربّما حين كانت مديرية المخابرات مثلًا تحشد لمرشح ضدّ مرشح آخر. ولكن حتى هذه الأمور ما كانت لتحصل مباشرة بل من خلال الإتصالات مع المفاتيح الإنتخابية.

 

خلال تلك المرحلة لم تحصل إشكالات مع «حزب الله». حصلت حوادث وإشكالات معه ولكن لم تكن تكبر عن حدّها. أوقف الجيش أسلحة كانت آتية لـ»حزب الله» ولكن ليس في وقت تظاهرات 14 آذار بل في مرحلة ما بعد حرب تموز والقرار 1701، ولكن كل هذه الأمور كانت تحلّ بسرعة مع الحفاظ على كرامة الجيش. بعد حرب تموز وانتشار الجيش في الجنوب طلبت القيادة أن لا يتم تحريك أيّ سلاح إلّا بعلمها وفعلاً عندما كان يتمّ تحريك أيّ سلاح من دون علمها كان يتمّ توقيفه.

 

يتبع الأربعاء أول شباط: حرب تموز والقرار 1701

وانتشار الجيش في الجنوب

ومن اغتال اللواء فرنسوا الحاج؟