الرئيس ميشال سليمان ومحطات في القيادة والرئاسة والعلاقة مع “حزب الله” (3 من 7)
بعد تطورات العام 2005 والتحدّيات التي واجهها الجيش بقيادة العماد ميشال سليمان نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسحب الجيش السوري من لبنان والإنتخابات النيابية وتشكيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، كان عليه أن يواجه خطر حرب تموز 2006 التي جرّ «حزب الله» لبنان إليها وأدّت إلى إصدار مجلس الأمن الدولي القرار 1701 الذي نص على وقف إطلاق النار وعلى بسط سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها وزيادة عديد القوات الدولية ونشر الجيش اللبناني في الجنوب. كيف تصرّف الجيش خلال هذه المرحلة؟ وكيف كان عليه أن يواجه حرب مخيم نهر البارد التي بدأ بعدها يُطرح اسم العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية والتي أتى اغتيال اللواء فرنسوا الحاج ضمن سياقها العام؟
في حرب تمّوز 2006 شارك الجيش في التصدّي للعدوان الإسرائيلي على رغم أنّه لم يكن له رأي في قرار الحرب. تقول الأوساط التي رافقت الرئيس ميشال سليمان في قيادة الجيش ثم في رئاسة الجمهورية إنه من الطبيعي أن يتدخّل الجيش حتى لو لم يكن هو الذي اتّخذ قرار الحرب والمواجهة ولم يكن له علاقة به. إنّها مسألة قرار سيادة وطنية عندما يكون هناك اعتداء إسرائيلي. عندما تم قصف ثكنة اللويزة وسقط عدد من الشهداء قرأ قائد الجيش المرحلة المقبلة وجمع ضباط القيادة وقال لهم «في المرحلة المقبلة نحن سنكون في الجنوب. انتبهوا أكيد رح ندفع دمّ. لن يتحقّق ذلك إذا لم ندفع دمّ. لا تقبلوا باعتداءات العدو. العدو اعتدى علينا وبعد ما عملنا شي. مطلوب منّا أن نتدخّل ونشتبك مع العدو في أي مكان يحصل فيه اشتباك مع المقاومة ولو لم يكن من ضمن قطاعات تابعة للجيش. الجيش يشتبك مع العدو على الأرض اللبنانية حتى ولو كانت المقاومة لا تسأل الجيش عن أي عملية تعملها. أي اشتباك كان يحصل كان يتحرّك الجيش في اتجاهه. في البقاع أو في صنين أو في أي مكان. كانت هذه شهادة في الوطنية للجيش الذي سقط له نحو خمسين شهيداً في مواجهة لم يكن هو صاحب القرار فيها. وهذه مسألة ليست قليلة. مش هيّنة».
هل تفاجأت القيادة بالقرار 1701؟ أم كانت جاهزة له؟
القرار 1701 كان صار واضحاً أنّه سيصدر قبل أن يصدر. عملت قيادة الجيش الترتيبات وتم استدعاء الإحتياط وتمّ وضع مخطّط عمليات. منذ بدأت الحرب كان هناك شعور لدى العماد ميشال سليمان بأنّ الجيش سيذهب إلى الجنوب. هكذا قرأها وعلى هذا الأساس عمّم قرار الإشتباك مع العدو استباقاً لقرار الإنتشار وتمّ وضع خطة لذلك. كانت السلطة السياسية حائرة بين ما إذا كان الجيش «قادر أو مش قادر» ينتشر. التأكيد أعطاه قائد الجيش ميشال سليمان للسفير البريطاني جيمس واط الذي جاءه مستفسراً، وفيه «إننا قادرون على نشر 15 ألف جندي». وكان السفير متفاجئاً. وبناء على تأكيد الجيش صدر القرار. كان الحديث حول قدرة الجيش متداوَلاً خلال أيام الحرب. كان قائد الجيش يقول لمن يسأل «إن الجيش قادر» وما كانوا يصدِّقون أنّه قادر على إرسال 15 ألف عسكري. كان الشرط أن يكون العدد 15 ألفاً. أكّد قائد الجيش على هذه القدرة. السفير البريطاني قال له عندما أبلغه أنه قادر وجاهز بأنهم يقولون إنكم غير قادرين. أكد له العماد سليمان «قلت لك إننا قادرون وقمنا بكل التحضيرات اللازمة لذلك». عرضت فرنسا تقديم مساعدة في عملية نقل الجيش ولكن سليمان فضّل استئجار مراكب لنقل الملالات وشاحنات مدنية، وبعد الإنتشار رفع العلم اللبناني في اللبونة في المكان الذي خدم فيه على الحدود عام 1970 بعد تخرجه من المدرسة الحربية.
السلاح بقي موجوداً
هل كان هناك تخوُّف من حصول إشكالات مع «حزب الله» بسبب هذا الإنتشار خصوصاً أنّه كان ضد نزع سلاحه في جنوب الليطاني كما نص القرار 1701؟
بحسب هذه الأوساط، «الحزب» كان يريد القرار 1701. وفي الوقت نفسه كان يريد أن يحتفظ بسلاحه في جنوب خط الليطاني وإن كان بطريقة مخفّفة من دون أن يظهر أو يتحرّك في هذه المنطقة. كان هذا الأمر سبباً لنقاش حصل في مجلس الوزراء وللتوضيحات التي طلبتها قيادة الجيش حول الأوامر التي يجب أن تعطى: إذا أظهر «حزب الله» السلاح ماذا نفعل؟ إذا حضرت قوات اليونيفيل إلى مكان معيّن وقالت إنّها وجدت سلاحاً فيه كيف يتصرّف؟
نتيجة ذلك أتت التوضيحات في النهاية من الأمم المتحدة بأنّه ممنوع أن يظهر السلاح. طلبت القيادة من الأمم المتحدة إذا كان يمكن إعطاء مهلة 48 ساعة للتفاوض مع «حزب الله» إذا كان يقبل بسحب أسلحته خارج خط الليطاني، ولكن تمّ غض النظر عن هذا الموضوع. تمّ الإتفاق على أنّ «الحزب» يمكنه سحب الأسلحة الظاهرة وغير المخفيّة تحت الأرض. هكذا بدأ تنفيذ القرار 1701. السلاح بقي موجوداً. تقول الأوساط «ليش حتى نضحك على بعض. ولكن ما حدا بدو يستعملو أو عندو مصلحة يستعملو. حتى «حزب الله» ما بقا عندو مصلحة حتى لا يتورّط في مشاكل لا يريدها». عندما هدّد السيد حسن نصرالله بمنع إسرائيل من استخراج النفط والغاز وضع نفسه وراء الدولة وكان يتمنّى حصول الإتفاق على أساس الخط 23 حتى يُعفيه ذلك من تنفيذ الأمر الذي ألزم نفسه به.
خلال تلك المرحلة تم توقيف شاحنات تنقل صواريخ لـ»حزب الله». حصلت نحو 4 أو 5 حوادث من هذا النوع خلال الحرب. وتمت مصادرة الصواريخ. ولم تتم إعادتها إلى الحزب.
انتشار الجيس في الجنوب ترافق مع السعي لنشره على الحدود مع سوريا تطبيقاً أيضاً لما ورد في القرار 1701 حول بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها. في هذا الجو بدأت عملية نشر الأفواج البرية على الحدود مع سوريا بعد معارضة دمشق و»حزب الله» نشر قوات دولية على المعابر البرية والبحرية والجوية حتى ولو بصفة مراقبين.
كان المطلوب ضبط الحدود. ولذلك بدأ إنشاء الأفواج البرية على الحدود. وبدأ الإنتشار يتوسع ويشمل إقامة أبراج للمراقبة. ولكن التجربة لم تنجح في البداية لأن «حزب الله» نتيجة تدخّله في الحرب السورية لاحقاً منذ العام 2011، كان أصبح مدجّجاً بالسلاح ويستخدم المعابر. عندما تكون مسألة الأمن وضبط الحدود خاضعة لمعايير عدة ما بتعود تظبط. حتى القوى العسكرية لا تستطيع ضبط الأمن مئة في المئة في بعض المناطق بينما تترك مناطق أخرى فالتة. لم يكن هناك اتفاق مع الحزب. كان هناك أمر واقع واستقدام ونقل للسلاح.
معركة “نهر البارد”
بعد أقل من عشرة أشهر على حرب تموز 2006 والقرار 1701 وانتشار الجيش في الجنوب بدأت حرب مخيم نهر البارد في الشمال في 20 أيار 2007. بعد الهجوم الذي استهدف حواجز الجيس ومراكزه عند مداخل المخيم، وقبل أن تبدأ المعركة وعندما حاصر الجيش المخيّم وبدأ عمليات تحضير لحصار مسلّحي فتح الإسلام ودفعهم إلى داخل المخيم، أعلن السيد حسن نصرالله أنّ المخيم خطّ أحمر. ولكن الجيش لم يتوقّف عند هذا الكلام. في وقت لاحق حصلت لقاءات مع موفدين من «الحزب» وكان قرار القيادة العسكرية: «ما عنّا خطّ أحمر». بعدها اعتبر «الحزب» أن الجيش يفعل ما يريد وعرضوا المساعدة أو تأمين غطاء إذا كان الجيش يريد مخرجاً للخروج من المعركة ولكنّ قرار الجيش كان بالحسم. كان «الحزب» يريد أن يتبرّأ من الحديث عن الخطّ الأحمر.
هل كانت معركة نهر البارد أساسية لتزكية قائد الجيش ميشال سليمان ليكون رئيساً للجمهورية؟
لا يمكن إنكار هذا الأمر، كما تقول هذه الأوساط. كان لهذه المعركة دور كبير في رسم طريق الرئاسة أمام قائد الجيش. بدأ العماد ميشال سليمان يلمس هذا الأمر من خلال لقاءاته مع رؤساء الأحزاب والمسؤولين السياسيين ومن خلال الإستقبالات المرحِّبة به في الأمكنة التي كان يزورها للقيام بواجبات معيّنة. ذهب للتعزية بالنائب وليد عيدو بعد اغتياله في 13 حزيران وكان هناك حضور سياسي وطني وسني بامتياز، وكما ينقل أحد الذين كانوا موجودين، حصل تصفيق لمدة من الوقت وأظهرت هذه الحالة مدى شوق الناس للدور الذي يلعبه الجيش.
هل خلق دور الجيش في معركة نهر البارد نقزة عند «حزب الله» على المستوى الشخصي من قائد الجيش وعلى مستوى دور الجيش؟
ربّما. كلّما شعر «الحزب» أنّ الجيش يظهر قوّته وحضوره كلّما شعر أنّ موقعه مهدَّد ولا يعود وجوده وسلاحه ضروريين. طالما الجيش قادر على أن يحسم في مثل هذه المعارك فلماذا يبقى سلاح «حزب الله»؟ ولكنّهم لم يعبِّروا علناً عن امتعاضهم. طلبوا مثلاً من قائد الجيش أن يظهر الحكمة في المعركة. كيف كانت القيادة تفسِّر هذا الطلب؟ بمعنى أنه يجب وقف المعركة. صدرت تصريحات سورية وممانعة لبنانية حول هذا الموضوع «إنّو متّكلين على حكمة قائد الجيش». ماذا كان يعني للقيادة؟ أن تعلن إنّ الحرب توقّفت وراحت على العسكريين الذين استشهدوا وخلصت القصة؟ كانت حكمة قائد الجيش غير متوفِّرة في تلك المعركة لتلبية مثل هذا الطلب لأنّ الجيش كان مجروحاً وسقط منه شهداء ذُبِحوا على الطريق حول المخيم ومنطقة الشمال كلها عسكر ودرك وأمن عام وأمن دولة وكل شهداء الجيش عندهم أقرباء في المنطقة، فماذا سيقولون إذا أوقف الجيش المعركة ودمّ الجيش على الأرض والمجرم لا يزال في المخيم؟ لذلك كان رأي القيادة أنّه من الأفضل أن تُحسم المعركة ولو كلّفت المزيد من الشهداء لأنّ هذا الأمر يبقى أفضل من وقفها لأنّه إذا حصل قد لا يبقى بعده جيش. إذا تم التراجع عن المعركة فلن يبقى لا جيش ولا أمن ولن يبقى هناك عصب في الجيش. معركة نهر البارد «عَملِت عَصَب» داخل الجيش. وهذا العصب خلق موجة تأييد للجيش خصوصاً في الشمال.
اغتيال اللواء فرنسوا الحاج
وقتها بدأ طرح اسم العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية واللواء فرنسوا الحاج قائداً للجيش بعد الدور الذي قام به كرئيس للعمليات في معركة نهر البارد؟
بدأ الحكي عن ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. هذا صحيح. والصحيح أيضاً أن سليمان بدأ يحكي عن فرنسوا الحاج كقائد جيش. «كان بدّو يحطّو قائد جيش إذا صار رئيس جمهورية»، كما تروي الأوساط.
هل اغتيل لهذا السبب؟
«ربما. ولكن يا للأسف لم يظهر شيء في التحقيقات».
ولكن جرت محاولات لاتهام القاعدة والتنظيمات الأصولية؟
«هذا صحيح ولكن ليس بهذه السهولة يمكن إقناع الناس بهذا الأمر».
يتبع في الحلقة الرابعة يوم السبت 4 شباط:
ماذا طلب الأسد من سليمان
في معركة نهر البارد؟
كيف انتهت المعركة وفرّ شاكر العبسي؟