Site icon IMLebanon

متى قال سليمان لـ”حزب الله” لا تتدخّلوا وما علاقة “الثلاثية الخشبية” بالصواريخ… وماذا طلب “الخليلان”؟

 

الرئيس ميشال سليمان ومحطّات في القيادة والرئاسة والعلاقة مع “حزب الله” (الحلقة الثامنة والأخيرة)

 

 

كيف تطوّرت علاقة الرئيس ميشال سليمان مع «”حزب الله”» لتصل إلى حدّ إعلانه سقوط “«الثلاثية الخشبية”» وإلى إطلاق صواريخ باتجاه القصر الجمهوري؟ من طعن الآخر بالظهر؟ وكيف تشكّلت حكومة الرئيس تمّام سلام ولماذا تخلّى “«حزب الله”» عن إعلان بعبدا بعدما كان وافق عليه؟ الأوساط التي رافقت الرئيس سليمان تتابع في هذه الحلقة الأخيرة رواية ما رافق هذه المرحلة من ولايته الرئاسية قبل مغادرة قصر بعبدا.

 

بعد استقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومع تكليف الرئيس تمّام سلام بدأ الحديث فوراً عن أنّ هذه الحكومة ستكون مهمتها ملء الفراغ الرئاسي وكأنّه كان هناك اقتناع بأنّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية لن يتمّ. وتأسيساً على هذا الجو جاء من يهمس في أذن الرئيس سليمان «إعمل على التشدّد في الشروط وعرقل التشكيل فتبقى حكومة ميقاتي بمهمة تصريف الأعمال ويجد الجميع أنّه لا مفرّ من التمديد لولايتك حتى لا يقع الفراغ الكبير»، فكانت ردّة فعل سليمان «سأفعل العكس وأسهِّل التشكيل لأنّني لا أريد أن أخالف الدستور ولست راغباً بالتمديد».

 

حكومة سلام 8+8+8

 

عملية التشكيل أخذت وقتاً لأنّ قوى 8 آذار تمسّكت بالحصول مجدّداً على الثلث المعطِّل إزاء إصرار سلام على عدم القبول بذلك، وطبعاً متوافقاً ومدعوماً من سليمان. ولكن في النتيجة تمّ تشكيل الحكومة على أساس ثلاث ثمانات، 8+8+8. 8 من 14 آذار و8 وسط و8 من 8 آذار. قبل انتهاء ولايته زاره موفدون أميركيون وطرحوا عليه القبول بتمديدها بعدما كانت الإدارة الأميركية ترفض ذلك ولكنه لم يقبل. السفير الأميركي دايفيد هيل نقل إليه أن الإدارة الأميركية عملت shift وبدّلت موقفها ولذلك طرحت التمديد بعدما كانت ترفض المبدأ فكرّر الرفض لأنّه أعطى أقصى ما يمكنه ويجب أن يُحدِث صدمة تؤدّي إلى انتخاب رئيس غيره وكان وجّه الدعوات لاحتفال في قصر بعبدا في موعد انتهاء ولايته. تشكلت حكومة تمّام سلام في 15 شباط 2014 بعد 11 شهراً على تكليفه وقد كان أداؤه قبل وبعد انتهاء ولاية سليمان لمدة قاربت السنوات الثلاث ممتازاً بشهادة سليمان نفسه، وليس كما قيل له: هل ترفض التمديد وتترك شؤون البلاد على عاتق الحكومة؟

 

الخليلان ومطلب عون

 

في أول آب 2013 في عيد الجيش حصل أول كسر جدّي في العلاقة بين رئيس الجمهورية وبين «حزب الله». كانت العلاقة بدأت تسوء منذ سقطت حكومة الحريري وساءت أكثر نتيجة استدراج ميقاتي للإستقالة. تمّ تكليف سلام ورفض بالتوافق مع سليمان الثلث المعطل وتمّ اعلان مبادئ للتشكيل الممكن وطال أمد التشكيل. زاره مرّة الوزير علي حسن خليل والحاج حسين الخليل موفدين من الرئيس نبيه بري وأمين عام «حزب الله». سألاه عن تصريح له يقول فيه إنه يعطي مهلة حتى 7 كانون الثاني 2014 وإذا لم تتشكّل الحكومة سيتمّ تشكيل حكومة تكنوقراط. أكّد هذا الأمر وقال لهما إنّ هناك 3 خيارات مطروحة وآخرها خيار حكومة التكنوقراط. فتمنّيا حذف هذا الخيار.

 

قال سليمان إنه لن يحذفه وإن كان سيعطيه نسبة قليلة من الحظ على أن يبذلوا الجهود لإنجاح الخيارين الأولين وعليه يمكن تمديد المهلة بعض الوقت. هذا وكان الخليلان يقومان بدور توافقي خلال تشكيل الحكومات بقصد إزالة العقبات وقد كُلِّفا أثناء تشكيل حكومة ميقاتي بزيارة سليمان للسؤال عن اسم الوزير الماروني الثاني الذي ينوي تسميته وذلك لتسهيل قبول العماد ميشال عون المشاركة في الحكومة وحسم الأمور. أظهر سليمان في حينه استياءً بالغاً وسألهما: «هل هكذا يتمّ الحفاظ على حقوق المسيحيين وصلاحيات الرئيس؟». أردف معاتباً وغاضباً «اذا سمّيت ابني الدكتور شربل، هل يحظى بالموافقة؟». فانصرفا معتذرَين لأنّهما غير مسؤولين عن هذا الطلب، بل مكلّفين بحمل هذا السؤال ولا يتدخّلان في هذا الأمر.

 

مع أوباما ولاريجاني

 

قبل ذلك في أيلول 2013 التقى سليمان في نيويورك الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي سأله عن مسار تشكيل الحكومة فأجاب سليمان إن الامور ماشية وسيعمل على إشراك الجميع بمن فيهم «حزب الله». فأجاب أوباما «أنت رئيس الدولة ونحن ندعم توجّهاتك». كما أنّ سليمان عندما كان في تونس بمناسبة إقرار الدستور التونسي في أواخر كانون الثاني 2014 حيث كانت له كلمة، التقى الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي ورئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني مع وفد موسع حيث سأله هذا الأخير: «نتمنى ان تشكّلوا الحكومة ونحن مستعدّون دائماً لدعمكم»، فأجابه سليمان: «لا نريد أن تتدخّلوا في تشكيل الحكومة بل نطلب أن تنصحوا «حزب الله» بأن لا يستمرّ في دعم حليفه بمطالبه التعجيزية». فهم لاريجاني ما هو المطلوب وضحك الجميع ووعد بالخير.

 

 

عيد الجيش والصواريخ

 

في خطاب عيد الجيش في أول آب 2013 ما كانت نيّة سليمان افتعال مشكل مع «الحزب». سُمِّيَت وقتها دورة تخريج الضباط على اسم الضابط الشهيد النقيب حسام أبو عرم من بلدة البرجين في إقليم الخروب الذي استشهد في معركة نهر البارد. عندما زار قائد الجيش العماد ميشال سليمان أهله معزّياً قدّم التعزية في جناح الرجال فطلبوا منه تعزية النساء اللواتي ينتظرن القائد. فدخل إلى حيث يتقبّلن التعازي واستُقبِل بكثير من العاطفة والترحيب والفرح الممزوج بالحزن وكأنّ المناسبة هي عرس الشهيد كما كان يحصل في كل البيوت والقرى التي سقط فيها شهداء في معركة مخيم نهر البارد. وصارت هناك علاقة شخصية مع عائلة الشهيد.

 

استذكر الرئيس سليمان في خطابه الشهيد النقيب أبو عرم وقال «إن هذه الدورة تعزّ عليه وأنّ هذا هو الشهيد الحقيقي الذي تُقدِّس شهادته الإرادة الوطنية الجامعة هو الذي يدافع عن قضية لبنانية وليس عن قضية غير لبنانية والذي يروي دمُه تراب الوطن وليس تراباً خارج الوطن». كما قال في الخطاب أيضاً إنّ «الجيش اللبناني هو القوة الشرعية الوحيدة التي يجب أن تحمل السلاح في لبنان». في منتصف الليل سقط صاروخان قرب قصر بعبدا لامسا التصوينة. من أطلقهما؟ لم يحصل تحقيق جدّي في هذا الموضوع. تقارير المخابرات لم تربطها بـ»حزب الله» ولكن كان هناك سؤال عن الجهة التي انزعجت من خطابه وعمّا إذا كان هناك طرف ثالث استغلّ الأمر ليفجِّر العلاقة بين الرئيس و»الحزب».

 

سبق للرئيس سليمان أن تحدّث عن المعادلة الثلاثية ونبّه الى سقوطها قبل أن يتطرّق إليها في خطاب له في الكسليك في شباط 2014 ويصفها بالخشبية، كان يقول «طالما أنّ هناك فريقاً من هذه الثلاثية يذهب حيث يريد من دون اتفاق مع الركيزتين الأولى والثانية تسقط هذه الثلاثية، فكيف اذا كانت الركيزتان الأهم، اي الجيش والشعب، الممثَّل بالدولة ورئيسِها، لم تؤخذ موافقتهما ولا تمّ إعلامهما بالمهمة. بل يتمّ ابلاغ إيران وإرسال النتائج لها كمثل الصور التي أخذتها طائرة «أيوب»، وقد صرّح مسؤول إيراني بذلك، فكيف تصمد ثلاثية جيش شعب ومقاومة؟».

 

وقد تحدّث سليمان عن هذا الأمر خلال احتفال قي قلعة راشيا عشية عيد الإستقلال في 22 تشرين الثاني 2012 ثمّ في بيت الدين. ولكن «الحزب» انزعج من خطاب عيد الجيش لأنّ الكلام كان واضحاً ومباشراً فيه. حصل عتاب من «حزب الله» تجاه سليمان من خلال تمرير رسائل عبر بعض الوزراء. كما أن الرئيس بري أرسل إليه رسالة بطريقة لبقة. لم تكن هناك أدلة حسية على أنّ «حزب الله» يقف وراء إطلاق الصاروخين ولكن سليمان تمنّى أن يكون الفاعل جهة ثانية. صحيح أنّ «الحزب» لم يحكم على سليمان في حينه ولكنّه، أي سليمان، كان يتوقّع إعلان الحرب عليه.

 

هذه النية ظهرت بعد أعوام مع الكلام عن أنّهم لا يريدون «ميشال سليمان تاني» في رئاسة الجمهورية ولا يقبلون برئيس يطعن المقاومة في الظهر متناسين أنهم طعنوا سليمان الرئيس عندما تنكّروا لـ»إعلان بعبدا» ولم يحترموا موقع الرئاسة وكافة أعضاء هيئة الحوار الوطني بوصفهم الإعلان أنه لا يساوي الحبر الذي كُتب به. يكرّر سليمان في مجالسه أنه على الأقل واحتراماً لموافقتهم وموافقة جميع أعضاء هيئة الحوار من 8 آذار بحضوره وحضور رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة كان ينبغي الإعلان عن السبب المستجد للتنكّر لـ»إعلان بعبدا» أو لتعليقه غير ثمن الحبر.

 

تمّام سلام والبيان الوزاري

 

استياء الرئيس من «الحزب» زاد بعد تنصّله من «إعلان بعبدا» الذي تمّ توقيعه في 11 حزيران 2012 والذي نصّ على تأكيد الثقة بلبنان كوطن نهائي وبصيغة العيش المشترك وبضرورة التمسّك بالمبادئ الواردة في مقدمة الدستور بصفتها مبادئ تأسيسيّة ثابتة والتمسّك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده، وتحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الإنعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، والإلتزام بالقرارات الدولية بما فيها القرار 1701… اعتبر «الحزب» أن هذا الإعلان لا يساوي الحبر الذي كتب به، واعتبر سليمان أن رفض «الحزب» يعود إلى تعليمات تلقّاها من إيران بسبب قرار التدخّل العسكري في سوريا، ولذلك تابع الهجوم في خطاب جامعة الروح القدس في الكسليك.

 

كانت بدأت تحصل عمليات انتحارية في الضاحية الجنوبية وقد تمكّن الجيش من كشف الكثير منها وما ساعد على التخلص من ظاهرة الإرهابيين الإنتحاريين رفض أي طائفة احتضان ما كانوا يقومون به خصوصاً الطائفة السنية. تحت هذا الضغط الأمني تمّ نشر حواجز الجيش اللبناني على مداخل الضاحية نتيجة رؤية أمنية لدى القائد الاعلى للقوى المسلحة وقيادة الجيش ونتيجة تمنٍّ من الحزب.

 

كان خطاب الكسليك مُحضّراً ومكتوباً. ليلاً استقبل سليمان رئيس الحكومة تمّام سلام وكانت تشكّلت ويتمّ إعداد البيان الوزاري. قال له «فخامة الرئيس أريد أن أضعك بصورة ما يحصل معنا. لن نتمكّن من ذِكر «إعلان بعبدا» في البيان الوزاري». سأله سليمان: «لماذا؟». قال «ومش رح نحطّ الثلاثية كمان. لا تزعل». قال له سليمان «تمّام بك لا أريد أن أعرقل عمل الحكومة وبدّنا نخلص وبدّي فلّ. بسّ رح تحطوا الثلاثية بغير طريقة ورح يطير «إعلان بعبدا» من البيان. على كل حال أنا أثق بك وأتّكل عليك ومش سئلان عن البيان لأن «إعلان بعبدا» أكبر من البيان الوزاري لأنّو صار بالأمم المتحدة ومجلس الأمن».

 

في اليوم التالي في 28 شباط 2014 أضاف سليمان بخط اليد على خطابه في مؤتمر «أرضي غد واعد» ما يتعلّق بعبارة الثلاثية الخشبية وقال «إنّ الارض والشعب والقيم المشتركة، هي الثلاثية الذهبية الدائمة للوطن، واللازمة لربط ماضيه بمستقبله»، ودعا الجميع «في هذا المجال وفي مناسبة مناقشة البيان الوزاري، إلى عدم التشبّث بمعادلات خشبية جامدة تعرقل صدور هذا البيان. أما بالنسبة الى ما حصل من تجاوز للمطلب القاضي بإدراج «إعلان بعبدا» صراحة في البيان نفسه والإكتفاء بذكر ضرورة تنفيذ مقررات هيئة الحوار الوطني التي انعقدت في القصر الجمهوري في بعبدا، أطمئنكم وأؤكد لكم، ان «إعلان بعبدا»، أصبح من الثوابت، وبمرتبة الميثاق الوطني، وهو تالياً يسمو على البيانات الوزارية، التي ترتبط بالحكومات، وستظهر الأيام، أن الجميع مستقبلاً سيحتاجون هذا الاعلان ويطالبون بتطبيقه».

 

شعر سليمان بالأسى وهو يغادر قصر بعبدا في 24 أيار 2014 من دون انتخاب خلف له. «لو حصل ذلك ما كنّا وصلنا إلى حالة الإنهيار التي نشهد تردّداتها والى المآسي التي عشناها ونعيشها والتي تجنّبها تمّام سلام طيلة قيامه بتولّي صلاحية الرئيس وفقاً للدستور.

 

من طعن الآخر بالظهر؟

 

هل يقبلون بميشال سليمان اليوم؟ بحسب الأوساط القريبة من الرئيس سليمان، «لا هم يقبلون ولا ميشال سليمان يريد. صاروا يعطونه مثلاً: «ما بدّنا ميشال سليمان رقم 2». يقولون إنّه يطعن بالظهر. ماذا يعني الطعن بالظهر؟ عم يدافع عن بلدو. لو قلت طعن الدرزي أو طعن السنّي أو الشيعي أو هذا الحزب أو ذاك نبحث فيها. بيضحّي ببلدو كرمال طرف؟ حتى كرمال المقاومة؟ طعن المقاومة بالظهر؟ كيف يعني طعنها؟ لمّا عمل «إعلان بعبدا» ووافقوا عليه؟ هو طعنهم أم هم الذين تخلّوا عن «إعلان بعبدا»؟ من طعن الثاني؟ هل نسوا أنّه في خطاب القسم قال بوجوب إقرار استراتيجية دفاعية لحفظ انجازات المقاومة لعدم إدخالها في التجاذبات؟ هل إشراكهم في كل الحكومات رغم انزعاج بعض الدول هو الطعن بالظهر؟ أم الدفاع عن مقاومة العدو والعمل على عدم إدراجها في لوائح الإرهاب هو طعن؟ أم تحقيق نمو بمعدل 10% هو الطعن؟ هم الذين طعنوه. طعنوه في الصدر وفي الظهر. هل ركّب عليهم فيلم؟ أبداً. كان يريد مصلحة الوطن ويعتبر أنّ مصلحتهم كمقاومة لبنانية هي في مصلحة لبنان. كان يريد مصلحتهم عندما كان يطلب منهم أن لا يرسلوا مقاتلين للقتال في سوريا واليمن والعراق. واليوم نرى كيف انهار الوطن عندما اعتُبِر تصرّف سليمان طعناً في حين اعتبروا هم أن التنكّر لسليمان والطعن في قراراته هو يصبّ في مصلحة الوطن والشعب والجيش والقضاء والإقتصاد».