نصف الحضور لوزراء التيار الوطني الحر في السراي الكبير أمس، أعطى فعالية الحضور الكامل، بدليل المقررات المتخذة والتعيينات الصادرة، وبمعزل عن السجالات التي بلغت حدّ دفع الرئيس تمام سلام الى الخروج من القاعة، تعبيراً عن الاستياء…
انعقاد هذه الجلسة، رغم تمنّع وزراء تكتل التغيير والاصلاح. أبرز نقطتين: الأولى، تمثلت بتكريس قدرة الرئيس سلام على رفض الرضوخ، لما لا يراه في مصلحة حكومة المصلحة الوطنية والاستقرار العام. والثانية، أظهرت قابلية التيار الحر والعماد ميشال عون، للتكيّف مع الظروف عند الضرورة، وما ايفاده الوزير الياس بوصعب الى الجلسة الوزارية، بعدما أعيته سبل تطييرها، إلاّ دليل على اقتناعه أخيراً، بجدوى المحافظة على شعرة معاوية، في كل الظروف، وقبل أن يفلت مقود الرئاسة من بين يديه.
البعض يفضّل ان يعيش خصومة طويلة، كي يبقى في حذر دائم… لكن اللعبة الرئاسية في لبنان طالت أكثر مما يحتمل ويتوقع، سنتان ونصف من عمر الولاية الموعودة، تبخّرت على حرارة الفراغ والمكابرة.
فبعد زوبعة الميثاقية التي هبّت في فنجان الحكومة، وسلّة التفاهمات التي تلتها، كشرط لبلوغ محطة الرئاسة الأولى، وبعد انحسار موسم الميثاقية، وسقوط سلّة التفاهمات بضربة بكركي القاضية، على الرغم من المخارج التجميلية، وبالتزامن مع اخفاق الرهانات على المدد الخارجي، المشغول عنّا بحاله، شرقياً كان أم غربياً، عربياً أم ايرانياً، كل هذه المعوقات عجّلت في اقناع العماد ميشال عون، أو مهّدت له سبل الاقتناع، بأن ما يطلبه من تيار المستقبل، من تبنٍ علني لترشيحه، قبل النزول الى جلسة الانتخاب هو خارج الحسبان، وانه اذا شاء ان يطاع فليطلب المستطاع… والمستطاع بحسب المصادر القريبة من المستقبل، هو ان ينزل جميع النواب والمرشحين الى المجلس، وعندها فقط يمكن ان يحصل أصواته.
الأوساط المتابعة ربطت نصف حضور التيار لجلسة مجلس الوزراء، بنوع من الرغبة في اظهار المرونة، والقبول بمبدأ ما لم يدرك كله يدرك جُلّه، لكنها، أي الأوساط المتابعة، تخشى النافخين في الصدور، على ايقاع التخوّف من تحوّل الجلسة المكتملة النصاب، نحو مرشح آخر!..
ويبرر هؤلاء مخاوفهم بأمرين: غياب التعهد العلني بالدعم من جانب الرئيس سعد الحريري، مع عدم سحب ترشيحه للنائب سليمان فرنجيه، مقروناً باصرار الأخير على ترشيحه حتى ولو بِتّ وحيداً.
والراهن ان المستقبل لم يسحب ترشيحه لفرنجيه، لكن فرنجيه ما زال قرّة عين حزب الله أيضاً… وهنا يقول مستقبلي منفعل: لماذا يُطلب من المستقبل ما لا يُطلب من حزب الله مثلاً؟ وأين تكمن عقدة رئاسة العماد عون، بموقف المستقبل المشروط بالنزول الى مجلس النواب، أم بتفكّك أكثرية الثامن من آذار التي يضرب عون بسيفها؟
ويضيف: لماذا لا يُطالب العماد حلفاءه بجمع الصفّ، ومعالجة الثغرات المتّسعة في جدار موقفهم خلف ترشيحه، ويلحّ بالمطالبة وكشف الأوراق، كما يلحّ على المستقبل ورئيسه، ويقرن إلحاحه هنا، بالتصعيد في الشوارع؟
بمعنى آخر، ان المشكلة بالنسبة الى العماد عون في المكان الآخر، الذي قد يكون يدركه، لكنه يستدرك، متجنّباً الاشارة اليه…
اجتماع كتلة المستقبل أمس، كان محطّ رهان التيار وحلفائه الخلّص، خصوصاً بعد عودة الرئيس سعد الحريري من روسيا بطريق السعودية، وبمعزل عن الظروف الاقليمية المانعة لانتخاب رئيس للبنان الآن، فلا سلّة تفاهمات الرئيس نبيه بري شجعت سعد الحريري على حسم خياره بالاتجاه الذي يتمناه عون، ولا تبني مجلس المطارنة لعظة البطريرك الراعي، المدافعة عن كرامة الرئاسة، والتي كانت محلّ ترحيب مختلف الأوساط السياسية والأهلية، سمحت للكتلة بغير ما صدر عنها أمس، أي الدعوة الى انتخاب رئيس يكون جامعاً للبنانيين وقادراً على انجاز المصالحة الوطنية بينهم وفق دستور الطائف…
ما نراه أحياناً يكون حقيقياً، وما لا نراه يكون حقيقياً أيضاً…