قد نزيد على ما قاله الرئيس نبيه بري بالأمس في مجلسه الأربعائي في توصيفه لوضع لبنان بأّنّه في «غرفة العناية والوضع الاقتصادي خطير ولا يمكن تجاهل هذا الواقع، مع الإشارة إلى أن لبنان هو غير تركيا وإيران»، قد نزيد بأنّ لبنان في حالة كوما، لبنان كلّه معطل، وصحيح أنّ لبنان ليس تركيا ولا إيران في انهيار عملتهما المتفاقم إلا أنّ الوضع في لبنان إذا ما استمرّ على هذا الحال قد يلحق بهما، بالرّغم من تطمينات محليّة من هنا وهناك تهدف إلى عدم إثارة الذعر بين اللبنانيين الذين ستطلع صرختهم عاجلاً أم آجلاً.
ومحقّ الرئيس نبيه بري في تلخيصه أمس الأربعاء واقع تشكيل الحكومة المأزوم بأنّ «أي طرف لا يستطيع أن يصل إلى ما يراه أو يريده في تشكيل الحكومة، وعلى الجميع من دون استثناء أن يقدموا التنازلات لمصلحة الوطن والخروج من هذه الأزمة»، إلا أنّ خلاصة الأزمة محصورة في تعنّت فريق واحد ورغبته بإكراه كلّ الفرقاء على الإنحناء لرغباته النزقة في الحكم والقول سمعاً وطاعةً، حتى لو كلّف هذا التعنّت النزق دخول البلاد والعباد في الزجاج وخروج الجميع دامياً من «جنّونة» العناد هذه!
في الأوقات العصيبة والشائكة والحادّة كان للرئيس نبيه بري دائماً مبادرات «إنقاذيّة» تأخذ البلاد من حافّة الهاوية إلى طاولة حوار أو تشاور إلى ان تفتح ثقباً في جدار أو تفتح نافذة على أمل ما بشيء من التهدئة، هذه المرّة غير كلّ المرّات الرئيس نبيه بري لا يبادر، ربّما لأنّه يُدرك أن «لا رأي لمن لا يُطاع»، وأنّ ما يحدث هو عملية ترغب في تطويع الجميع لمصلحة الرأي الواحد والصوت الواحد، والخوف من آتٍ أعظم يجرّ البلاد إلى نموذج يلامس انقسام العامين 1989 و1990 بشكلٍ أو بآخر!
أكثر من مئة يوم لم يصل فيها البلد إلى نتيجة في تأليف الحكومة، وبرأينا لن يصل، والمقلق أنّه يغلب الظنّ أن لا خروج من هذا النفق الخانق إلا بخضّة كبرى داخليّة أو خارجيّة تفرض الحلول أو الاتفاقات والسكّين على رقبة البلد، من المؤسف أنّنا وخلال هذه المئة استنزفنا كل التفاؤل الذي عمّ البلاد بعد انتخابات رئاسة الجمهوريّة، وكأننا نستعيد أجواء التعطيل الرئاسي الذي فرضه فريق طوال عامين على البلد، مع تجاهل هذا الفريق أنّه لم يصل إلى القصر إلا بعد اتفاق معراب والتسوية الحريريّة، فلماذا يعيد تكرار التجربة مع عملية تشكيل الحكومة، «ريتا عمرها ما تتشكّل»!
أخذ الرئيس نبيه بري على عاتقه وفي مرات كثيرة «تفسير الدستور» وأُخِذَ عليه هذا الأمر وطرحت حوله ملاحظات كثيرة، ونتساءل لِمَ لا يبادر دولته هذه المرّة في تفسير هذه المعضلة في صلاحيات الرئاستين الأولى والثالثة في تشكيل الحكومة، ومن أين جاؤوا ببدعة ما يسمّى «الأسس والمعايير» ليضعها رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومات، قبل أن ندخل في متاهة أزمة حكم، لأنّ التوصل إلى النصوص التي وضعها اتفاق الطائف كلّفت لبنان خمسة عشر عاماً من الحرب الأهلية، ووحده الله يعرف ما الذي قد يكلّف لبنان العبث بهذه النصوص وأن يفرض فريق تفسيرها على هواه!
للمناسبة، كثير من اللبنانيين يتحسّرون ويقولون في سرٍّ أو علن، يا ليتنا سمعنا من الرئيس نبيه بري، ولكن ما حدث قد حدث، أما اليوم فـ «ليس لها من دون الله كاشفة».
ميرڤت سيوفي