لم يخطئ الافتراض والظن من افترض وظن، ان الحملة الاعلامية والسياسية والديبلوماسية الاميركية أساساً والغربية فرعاً إزاء «جرائم الحرب» التي ارتكبها ويرتكبها الروس في حلب، كان هدفها ولا يزال، منع فلاديمير بوتين تحديداً، وأكثر من حلفائه وأتباعه الاقليميين، من دعم حملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب من خلال دعم منطقه القائل بأن أخطاء منافسيه الديموقراطيين أنتجت كارثتين: الأولى خروج الارهاب الداعشي إلى العلن، والثانية تدعيم النفوذ الروسي والإيراني في العراق وسوريا ومجمل المنطقة.
في المناظرة الثالثة والأخيرة، مع منافسته هيلاري كلينتون، مرّ ترامب على حلب واعتبر انها سقطت فعلاً. ورأى ان الأسد «السيئ« أقوى من أوباما واذكى من كلينتون… ثم ذهب إلى الموصل واعتبر ان إيران هي المستفيدة الوحيدة من المعركة فيها وستبعث رسالة شكر إلى أوباما على هذا الأمر!
توقيت الهجوم على الموصل جاء في ذروة الهجوم على حلب! وتلك ليست مصادفة! بل إنه رد أميركي في العراق على المناورة الروسية في سوريا. والتي أرادت إظهار مدى «ضعف» الديموقراطيين في مقابل مدى قدرة «أعداء» أميركا وأخصامها! وذلك ما يفسر أحد جوانب إمتعاض موسكو من معركة الموصل، ثم تذكّرها الأبعاد الإنسانية المتصلة بالمدنيين ومصائرهم!
المفارقة هي ان تشخيصات ترامب صحيحة، قبل حلب والموصل! لكن الفارق الجوهري يتصل بالخلاصات. أي لا يُجادل إثنان بأن السياسة الانكفائية الاوبامية هي التي سمحت بالتمدد الروسي! وباستمرار النكبة السورية ووصولها إلى مستويات صادمة! وهي التي أنعشت بذور الحجج القميئة التي يستخدمها أرباب الإرهاب لمحاولة تبرير عدميتهم! وفي ذلك عنوانان عريضان. الأول هو فتح الابواب أمام إيران لاسقاط العراق ودولته وتركيبته، وبأسلوب قهري استفزازي وموغل في المذهبية! والثاني فتح الأبواب أمام هروب بشار الأسد من العقاب على استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة صيف العام 2013.
وأوباما كان يعرف بالتأكيد، أن التركيبة العراقية لا تتحمل في التفصيل والاجمال، المزيد من التكسير ذي البعد المذهبي، غداة سقوط الدولة البعثيّة. فكيف الحال وذلك صار منهجياً وبرعاية وتدخّل مباشرين من دولة مثل إيران!
ومع ذلك وبالرغم منه، فإن البيئة العربية العراقية في معظم المحافظات وخصوصاً المحافظات الوسطى والغربية والشمالية، ظلّت في اطارها الشامل عصية على الخروج من ثيابها إلى اعتماد الارهاب كردّ على المظالم النازلة بها! لكن ذلك لم يمنع «داعش» من البناء على تلك المظالم ثم اضافة المزيد عليها! وبتأن ووفق منهج تفصيلي مدروس ومؤثر، لم يستفد منه سوى كل صاحب غرض ومرض، من طهران إلى وكر الأسد في دمشق وصولاً إلى قلب الكرملين!
وأوباما كان يعرف بالتأكيد، ان السكوت عن مجرم حرب مثل الأسد، وهو الوحيد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، الذي استخدم سلاحاً افنائياً محرّماً دولياً ضد «رعاياه»، ستكون له تداعيات مستحيلة ولا تحتمل على كثيرين من اتباع «المعارضة المعتدلة» وأنصارها وصولاً إلى دفعهم إلى أقصى نواحي العنف والتطرف!
ترامب وضع كل تلك السياسات في خانة الأخطاء من قبل إدارة أوباما، لكن الواقع يقول بأن ذلك كان أمراً منهجياً يتصل باستراتيجيات كبرى إعتمدها الرئيس الأميركي عن «قناعة تامة».
.. وهي في كل حال، استراتيجيات وان استسهلت ولا تزال، سفك الدم العربي والاسلامي الأكثري وبشكل مخز ومعيب، فهي أوصلت إلى تمكين روسيا، أخطر عدو لأميركا، من التجرؤ على محاولة التأثير في انتخاب رئيسها!