IMLebanon

عن لبنان برئيس وعن المنطقة والإقامة الدائمة للروس في سورية!

اعتباراً من الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الاثنين المقبل الواقع في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2016، وما لم يحدث ما ليس في الحسبان من مفاجآت بالمتوقع منها وغير المتوقع… يكون قد تم العثور على رأس الوطن ورئيس الجمهورية اللبنانية بعد غياب وانتظار على مدى أكثر من سنتين وستة أشهر، وسيكون الرئيس الثالث عشر للجمهورية هو الرئيس العماد ميشال عون.

ولو كنا في لبنان نعيش في الجمهورية الفاضلة أو في بقايا بيروت أمّ الشرائع وفي أعقاب عملية انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية العماد عون، لأمكننا القول إن لبنان مارس مرة جديدة في تاريخه المعاصر دورة من الديموقراطية على مقياس صُنع فيه.

يعني ذلك أن انتخابات رئاسية تجرى بعد سنتين ونصف السنة من الحالة الشللية التي غرق فيها الوطن من شغور في رأس هرم السلطة الى تعطيل للحياة التشريعية وتجميد في أعمال السلطة التنفيذية. وعلى رغم هذا كله وذاك، أمكن في نهاية الأمر تجاوز كل السلبية والخروج من قاع الأزمات السحيق، وأن ترتفع معالم الدولة الى سطح الأحداث مجدداً، لتصحّ فيه مجدداً سيرة طائر الفينيق الأسطوري ومسيرته.

ولو قيّض لنا العيش في جمهورية أفلاطون لحقّ لنا القول: إن ما شهده لبنان يشبه الديموقراطية في أحلى تجلياتها عندما نتذكر أن ثلاثة مرشحين واجهوا المجلس النيابي ووقع الاختيار على من حظي بالأكثرية.

ويتكرس مجال التغني بـ»الديموقراطية اللبنانية» عندما نلقي نظرة على دول المنطقة وما تشهده من تفجيرات بركانية وكيف أن «الوطن الصغير» بُعث مجدداً وسط الدمار والخراب والتفجيرات المفخخة.

ولأننا نكتفي بالعناوين الرئيسية في هذا المقال على أن يتم التوسع في مجالات لاحقة، وجب أن نسجل بعض المفارقات التي ترافق تطور الأحداث في لبنان، بخاصة في تاريخه المعاصر.

فعلى رغم تمسّك لبنان بالنظام الديموقراطي واختيار نمط عيش له مع تعاقب الأجيال، ففي كل مرة كانت الأحداث تعصف به من كل حدب وصوب ومن شرق وغرب.

كان أمام لبنان الملاذ الآمن الذي يلجأ إليه مستظلاً مؤسسة الجيش اللبناني التي كانت وما زالت تشكل الحامي الأساسي لمختلف المراحل الصعبة. وفي استعراض سريع يتّضح أمامنا الآتي.

في مطلع عهد الاستقلال الأول، وإثر قرار رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري التخلّي عن السلطة قاطعاً ولايته الثانية، عهد الى قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب بأن يكون حارساً للجمهورية ولأهلها، وكان هذا في الخمسينات.

وقبل أن ينتهي هذا العقد، نشبت ثورة 1958 وكان ظاهر الأزمة منع الرئيس كميل شمعون من تجديد ولايته، لكن في حقيقة الأمر كان الصراع على أشدّه بين النفوذ الجامح للرئيس جمال عبدالناصر، والنفوذ الأميركي والغربي والسجال حول «مشروع آيزنهاور» ومن يؤيده، وانتهت الثورة بانتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية.

وكرت السبحة، لينتقل الرئيس العماد إميل لحود من قيادة الجيش الى قصر بعبدا، وبعد ذلك آلت رئاسة الجمهورية الى قائد الجيش العماد ميشال سليمان، إنفاذا لـ «مؤتمر الدوحة». حتى وصلنا اليوم الى اختيار قائد الجيش الأسبق العماد ميشال عون.

لقد فرضت التطورات اللبنانية في الأيام الأخيرة نفسها على مسار الأحداث، على رغم اشتعال جبهات القتال الأخرى في سورية (بخاصة في الموصل والتوابع في محافظة نينوى).

ما الذي يجري حالياً في هذه المناطق؟

إنه فيلم روسي – أميركي- تركي – كردي من الرؤوس الكبيرة، فضلاً عن وجود الكثير من الصف الثاني المشاركين.

ولنحاول أن نتفهم ما الذي يجري، والى ما يمكن أن تنتهي إليه الأحداث؟

في الماضي، كان يتم الاستشهاد بمدينة البصرة للقول: «بعد خراب البصرة»، والآن دخل تعديل بالغ الخطورة والتمثيل بما يجري في مدينة حلب. لذلك بات يجب أن يقال: «بعد خراب البصرة… وحلب» والبقية تأتي.

وفي دقة استعراضية لتفقّد مشهدية ما يجري، يمكن التوقف عند نقاط رئيسية بارزة.

أصبح واضحاً أن ما يجري من تداخل الحروب الإقليمية والحروب الدولية، يذكّرنا بل يعيدنا الى فصول الحرب الباردة بين «المعسكرين الكبيرين».

وفي هذا السياق، قال الرئيس باراك أوباما في معرض توصيفه الوضع السوري، هناك «حرب أهلية، وحرب بالوكالة».

وصدق أوباما هذه المرة، فهو يعترف صراحةً بأن حرب الولايات المتحدة وروسيا واضحة وبيّنة، لكن بمظلة دولية (الأمم المتحدة) للتعمية.

لذلك، فأي قرار يتعلّق بسير المعارك وأخبار الجبهات واتفاقات وقف إطلاق النار يأتي من موسكو وواشنطن، قد يصبح مثيراً للسخرية السوداء في التعامل القائم بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف. فكلما اشتدت المعارك على بعض الجبهات، بخاصة في حلب، في الآونة الأخيرة، سارع كيري الى الاتصال بلافروف موجهاً كلاماً من «النوع الثقيل» لينقل الإعلام الأميركي حالة الغضب التي تنتاب كيري مع استمرار سقوط المزيد والعديد من الضحايا واستمرار القتال، ومن شروط «عدة الشغل» تبادل الاتهامات حول من كان البادئ بخرق اتفاقات وفق إطلاق النار.

والمعلن أن الوزير جون كيري سيغادر منصبه في وقت قريب جداً مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، ومن المستبعد أن تلجأ السيدة هيلاري كلينتون (في حال فوزها، وهذا هو المتوقع) الى الطلب منه البقاء في منصبه.

هذا الوضع أوجد كيري في واقع هزيل، مقابل وزير خارجية روسيا لافروف الذي يعتبر من أهم وزراء الخارجية في العالم. ولا بد من الإشارة الى بعض المعلومات الموثوقة بأن روسيا تعزز وجودها العسكري الميداني على الأرض في سورية، ولا يقتصر الأمر فقط على التدخل العسكري، بل تعمل على تعزيز ركائز وجودها لأمد متوسط أو طويل هناك.

كذلك يبرز الدور التركي، فالرئيس رجب طيب أردوغان حالم ببعث أمجاد السلطنة العثمانية ودور الباب العالي، وقد طغى الفوز على أسلوب تعاطيه مع بعض الأطراف في المنطقة، بخاصة مع رئيس وزراء العراق حيدر العبادي، فقد تحدث إليه بلغة فوقية في معرض السجال حول بقاء القوات التركية للقتال في العراق.

ولدى أردوغان معلومات تتحدث عن حملة أميركية – بريطانية كبيرة ضد الرقة في سورية، والتي أصبحت مركزاً لتجمع العناصر المقاتلة.

وهذا التطور إذا ما تأكدت صحته يعني أن حملة عسكرية كبيرة تضم العديد من الأطراف قد تسعى الى جمع أكبر عدد من المقاتلين في الرقة، على أن تهاجم قوات مشتركة من دول عدة هذه التجمعات. أما الدور التركي المختلف عليه فيعبر عنه أردوغان قائلاً: «إن عمليات الجيش التركي في سورية تهدف الى تأمين السيطرة على بلدتي الباب ومنبج»، ويضيف: «لكننا لا نعتزم بعد هذه العمليات القيام بأي تحرك باتجاه حلب لأن حلب ملك لأهلها».

ونبقى في السياق العسكري نفسه للحديث عن المعلومات التي روّج لها الإعلام الأميركي حول استعداد الرئيس أوباما لتوجيه ضربات الى بعض المطارات السورية وضرب حركتها.

وهذا الأمر يعيدنا الى الفترة السابقة التي كان العالم ينتظر فيها توجيه ضربة عسكرية لسورية في سعي الى تقويض سلطة بشار الأسد، وانتهى الأمر ولم يتم توجيه «الضربة المزعومة».

والسؤال: إن الذي لم يتمكن أوباما من إنجازه خلال ثماني سنوات من حكمه، هل يتمكن الآن من القيام به وهو عشية الرحيل عن البيت الأبيض؟

وهذه مناسبة للقول إن أكثر ما يتّصف به أوباما هو التردد، وهذا ما سجلته المرشحة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون في كتاب مذكراتها، شارحة أوجه الاختلاف بينها وبينه عندما كانت تتولى وزارة الخارجية.

وبعد…

بدأنا هذا المقال بآخر ما استجد على الصعيد اللبناني من دون أن ننسى ما يحكم العلاقات بينه وبين دول الجوار وفي الطليعة سورية.

لا تزال المخاوف سائدة من احتمال إتاحة المقاتلين في سورية جسر اتصال مع بعض السوريين المقاتلين الذين نزحوا عن سورية مع سائر النازحين، لذا تبقى اهتمامات الجيش اللبناني في هذه الناحية كي لا يعاني لبنان من تجدّد الاشتباكات في المناطق القريبة من سلسلة الجبال الشرقية وفي مناطق عرسال وغيرها.

أما الخط العام في المنطقة فلا يزال يعصف به الاتجاه التقسيمي في شكل واضح. والواقع التقسيمي الجديد لن يصدر بقرار، بل هو تكريس للأمر الواقع الذي أفرزته المواجهات القتالية.

فالذي حدث في سورية وفي بعض مواقع القتال في المنطقة، هو تهريب الناس العاديين وهجرتهم الى مناطق أخرى وتجمعهم هرباً من أهوال «داعش».

ويتحدث العراقيون عن أن تحرير الموصل من «الداعشيين» سيعجل في نهاية مقاتلي «داعش»، لكن هذه المعلومات ليست دقيقة لأن عناصر داعش تتمكن من نقل المعارك والمواجهات من منطقة الى أخرى، لذلك فهي تشكل الخطر المتنقل في المنطقة.

والآن وبعد أن عثر لبنان على رأسه ورئيسه، هناك بداية جديدة مكتوب لها أن تعيد انتشال الوطن مما هو فيه وعليه.

أمام مصير دول الجوار المأزومه والمدمرة، تبرز أهمية «لبنان الجديد» وأن يبعث من تحت ركام المنطقة وأشلائها وأنقاضها وما أكثرها.