لم يكن عاديا النقاش الذي جرى داخل أروقة المكتب السياسي لـ «تيار المستقبل» قبل أيام.
الاجتماع الذي ترأسه الرئيس سعد الحريري ليس سوى اللقاء الثاني للمكتب السياسي خلال عامين! وقد جاء فوراً بعد استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، ولكن الأهم، انه حصل بعد عودة الحريري الى البلاد وشبه استقراره فيها.
ويشير البعض داخل التيار بشكل سلبي الى غياب الحريري عن لبنان ما انعكس سلبا على التيار على مختلف الصعد، وخاصة لناحية بروز «حيثيات» خاصة لبعض الشخصيات ما كانت لتبرز لو استمر زعيم التيار في البلاد وأمسك جيدا بمفاصل الأمور.
ولعل الحريري أدرك تماما مدى «التخلخل» التنظيمي الذي طرأ داخل تياره، وقد تمظهرت احدى تجلياته في نتائج الانتخابات البلدية في طرابلس، كما في دلالات انتخابات بيروت التي أوضحت حجم التململ الشعبي من «المستقبل» عبر التصويت الكبير للائحة المنافسة.
وقد شهد الاجتماع الذي استضافه الحريري في بيت الوسط، «نقاشا جديا»، حسب المتابعين، ورغبة في اعادة اطلاق نشاط المكتب السياسي «الذي لم يكن فاعلاً في الفترة الماضية». وهذا الامر يبدو بالغ الاهمية في المرحلة الحالية في ظل تباين في وجهات النظر داخل التيار حول قضايا هامة لعل أولاها الحوار «غير المجدي» مع «حزب الله» «في ظل سلاحه وعدم جديته». وقد برزت على هذا الصعيد دعوات لقطع الحوار مع الحزب كونه «مضيعة للوقت».. وبعد نقاشات طويلة، تغلبت وجهة النظر الداعية الى التروي بذلك والاستمرار في الحوار الذي يحظى بتأييد الأقطاب الرئيسيين كالحريري والرئيس فؤاد السنيورة وغيرهما..
موضوع آخر استحوذ على اهتمام المتابعين، هو خشية كثيرين في التيار من قبول الحريري بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. على ان من يخشون من ذلك لا يقتصرون على رافضي ترشيح النائب سليمان فرنجية الى الرئاسة، وهم أقلية، بل يتعدونهم الى مؤيدي ذلك الترشيح، والذين يعترضون على أية محاولة لتبييض صورة عون داخل التيار.
وقد حسم الحريري تصاعد تلك المخاوف عبر التأكيد على مبادرته في ترشيح فرنجية وتبريد تلك الاصوات التي تخشى وصول عون فجأة الى الرئاسة ربطاً بأحاديث سياسية تشير الى ارتفاع حظوظ عون، وحتى وصوله الى الرئاسة قريباً! هذا علماً ان نواب «المستقبل» على استعداد لحضور أية جلسة نيابية لانتخاب الرئيس وهم لن يلجأوا الى المقاطعة.. مع استطاعتهم ذلك وتحويل هذا الامر الى قضية ميثاقية، حسب قطب «مستقبلي».
على صعيد الانتخابات البلدية، جرت مراجعة لكيفية أدائها «والخلخلة» التي شابتها في بعض المناطق، وأعرب المجتمعون عن رضاهم في شكل عام على النتائج، وهم رأوا ان لا نكسة حصلت في انتخابات طرابلس، ذلك ان الفائز بها كان التيار المؤيد لـ «المستقبل». ويعتبر أحد المتابعين للنقاشات التي جرت انه لا يمكن اعتبار الحريري خاسراً في طرابلس، «بينما يمكن اعتبار الرئيس نجيب ميقاتي الخاسر الأكبر على سبيل المثال كون المدينة تعد عرينه»..
ولناحية التعاطي مع بروز حالة الوزير أشرف ريفي، خرجت وجهة نظر تقول بالانفتاح تجاهه شرط التزامه بخط التيار، مشيرين إلى أن ريفي قد بدأ فعليا بتوجيه رسائل ايجابية للحريري.
ويشير المتابعون الى ان الحريري قد تمكن من الامساك بأوراق التيار، ولا جدية لما يقال عن تيارات داخل التيار، كما تتم الاشارة على سبيل المثال الى ما يمثله ريفي، أو ما يقال حول حالة الوزير نهاد المشنوق الذي سرعان ما أتى الرد السعودي، الذي تصفه الأوساط بـ «الشرس»، من مختلف التيارات في السعودية، على ما خرج به حول انتقاد ضمني للسياسة السعودية السابقة، حسب المتابعين.
وكذلك الحال حول ما يقال عن تيار داخل التيار يمثله السنيورة، علماً ان الاخير يحتفظ بـ «لغته» الخاصة المتصلبة تجاه قضايا عديدة على الساحة، ما يجعله يقف على يمين الحريري، وعلى سبيل المثال الاتهام الضمني لـ «حزب الله» بمتفجرة «بنك لبنان والمهجر» الذي خرجت به «كتلة المستقبل» قبل أيام. على هذا الصعيد، تشير أوساط داخل التيار الى ان بيان الكتلة يعكس اتجاهاً داخلياً يعتبر ان الحزب يتعاطى مع الموضوع المصرفي كما تعاطى مع القرار 1559!
تنظيمياً، جرت مراجعة للمرحلة الماضية في عمل المكتب السياسي، وتم الاتفاق على عقد المؤتمر العام للتيار في 15 و16 من شهر تشرين الاول المقبل، على ان تسبقه انتخابات داخلية «جدية وليس عبر لوائح جاهزة كما حدث جزئياً في المرة الماضية»، وترك اللعبة الداخلية تجري في شكل طبيعي على صعيد مختلف القطاعات (محامين، أطباء، مهندسين..). وسيتم توفير دور أكبر للشباب وللنساء وثمة توجه لتعديل النظام الداخلي لناحية إعطاء كوتا بنسبة 40 في المئة للشباب وللنساء.
وسيكون على عاتق المؤتمر المقبل انتخاب رئيس التيار والأمين العام وأعضاء المكتب السياسي، وتقديم ورقة سياسية تلحظ التطورات المصيرية الأخيرة، إضافة الى التقرير التنظيمي، على ان يشرع المكتب السياسي في اجتماعات دائمة حتى انعقاد المؤتمر.
في خلاصة الأمر، ثمة توجه للحريري لأداء دور أكثر فاعلية في المرحلة المقبلة بعد ان أكد زعامته، بالتوازي مع إجراء هيكلة جديدة للتنظيم وتفعيل التواصل مع الشرائح الشعبية للتيار، حسب المتابعين.