دعوة جنبلاط إلى فصل الإدارة عن السياسة بين المعترض والساكت
رئيس التقدمي يرفض المسّ بجوهر الطائف من دون أن يتراجع
لم تكن مصادفة أن يلتقي أكثر من سبعين شخصية لبنانية في دارة رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان وتُطلق الدعوة إلى التمسّك باتفاق الطائف
قبل بضعة أيام ، وتحديداً مطلع الأسبوع الماضي، سمح النائب وليد جنبلاط لنفسه بأن يبتعد قليلاً عن الوضع المشتعل في المنطقة والمخاوف من امتداد النار إلى الداخل اللبناني، ليطلق من موقع العارف بما آلت إليه أوضاع الدولة وإداراتها من جراء التداخل بين الإدارة والسياسة في شقيها الوظيفي والحكومي والناتج عن ذلك القرار الذي اتخذ قبل عقدين والنصف في إطار تصفية ذيول الحرب الأهلية بدمج الميليشيات التي تحاربت إلى الإدارات الرسمية وذلك بهدف الحد من البطالة ودمج هؤلاء الميليشياويين في المجتمع من خلال توظيفهم في إدارات الدولة.
وللاستجابة إلى هذا الاقتراح الجنبلاطي يقتضي تعديل دستور الطائف لجهة منع الجمع بين النيابة والوزارة وبين الإدارة والحزبيين، مستنداً بذلك إلى فشل تجربة الجمع بين الإدارة والحزبيين، وبين المنصب الوزاري والإدارة بهدف تحرير الإدارة من سيطرة الحزبيين والمحاسيب التي ثبت خلال ربع قرن فشلها وأدت بالتالي الى انتشار الفساد في كل المؤسسات والمرافق الرسمية بدلاً من أن تكون الإدارة صمّام أمان لضبط الأمور ومنع الفساد من أن يستشري في كل إدارة وتتحوّل الدولة بعد فترة من الزمن إلى دولة فاشلة في نظر الآخرين وحتى في نظر أهلها المواطنين اللبنانيين.
واعتبر جنبلاط في حينه أن مثل هذا التعديل البسيط على الطائف لا يؤثر على جوهره الذي يتمسك به ويدعو إلى تطبيقه بالشكل المطلوب، وكم مرة حذّر من المسّ بجوهر الطائف حرصاً منه على ميثاقية هذا الاتفاق التاريخي الذي أنهى الحرب الطائفية العبثية وشرّع المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وعلى المشاركة الحقيقية التي كانت أحد أهم الأسباب التي أشعلت الحرب الأهلية، وبالتالي فإن جنبلاط لم يقصد تشكيل هيئة تأسيسية لإعادة النظر في اتفاق الطائف بل حصر الأمر بضرورة فصل الإدارة عن السياسة بعدما أثبتت تجربة ربع القرن الماضية فشلها وأنها أوصلت الإدارة الى الدَرَكْ السحيق بعدما عمّ الإفساد والفساد وسيطرة الحزبيين والمحسوبيات والمحاصصة على كل المرافق العامة. غير أن البعض وهو متمسك باتفاق الطائف، ويدعو الى تطبيقه لمعرفة مواطن الخطأ فيه ولا يجوز أن يحكم عليه بالفشل قبل وضعه موضع التنفيذ، انتقد موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الداعي الى إعادة النظر في موضع دخول الحزبيين إلى الحكم وإلى الإدارة طالما أن التجربة كانت فاشلة بكل معنى الكلمة واعتبره مقدمة لإعادة النظر في هذا الاتفاق التاريخي الذي لم يتسنَ بعد تطبيقه بسبب رفض الهيمنة السورية لذلك وإصرارها على عدم تطبيق هذا الاتفاق لإبقاء الانقسام الداخلي الذي يسمح باستمرار سيطرتها على هذا البلد مستذكرين تصريحات الأمين العام لحزب الله والتي دعت الى ضرورة تشكيل هيئة تأسيسية لإعادة النظر في هذا الاتفاق تأسيساً على المتغيّرات الديمغرافية التي حصلت وبسبب فشله في توحيد الرؤية عند جميع اللبنانيين. لكن جنبلاط رفض الردّ على المعترضين من دون أن يتراجع عن اقتراحه الذي يستند فيه الى فشل تجربة الجمع بين السياسة والإدارة وإلى حالة الفساد التي عمّت هذه الإدارة نتيجة لها وترك الاقتراح يتفاعل ويأخذ مداه في أوساط الشعب اللبناني وهيئاته المدنية الحريصة على أن تستعيد الإدارة هيبتها وتخرج منها السياسة التي أفسدتها بشكل غير مسبوق في تاريخ الدول. ولم تكن مصادفة أن يلتقي أكثر من سبعين شخصية لبنانية في دارة رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان وتُطلق من هناك الدعوة إلى التمسك باتفاق الطائف وضرورة سد بعض الثغرات التي كشفتها التجارب السابقة وهو بذلك يلتقي مع رئيس الحزب التقدمي في ضرورة سدّ بعض الثغرات في هذا الاتفاق من دون التخلي عنه ومن دون السماح بتحقيق حلم البعض في تشكيل هيئة تأسيسية جديدة لإعادة النظر في أساس هذا الاتفاق، وصولاً الى تعديل أهم بنوده وهو المناصفة بين المسلمين والمسيحيين مهما تغيّرت الأعداد خصوصاً وأنه سبق لجنبلاط أن أعلن تمسكه بهذه المعادلة ومن خلالها تمسكه باتفاق الطائف، وعلى أي حال فإن دعوته الى فصل الإدارة عن السياسة لا تمسّ في جوهر هذا الاتفاق بل تؤدي إلى تطهير الإدارة من الفاسدين بعدما تجاوز هذا الفساد كل الخطوط.