تصعيد «حزب الله» يُعيد أجواء القلق ويُثير تساؤلات بشأن الاستحقاقات
في وقت طغت الهموم المعيشية والحياتية مجدداً على واجهة التطورات الداخلية، بعدما تجاوز سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء كل الحدود، ليقارب الـ 32 ألفاً، وعودة الحديث عن مخاوف من أزمتي محروقات ورغيف، فإنه لم يكن أمراً مفاجئاً ما أفرزته الانتخابات النيابية من نتائج لافتة أطاحت بأكثرية «حزب الله» وحلفائه، لحساب الغالبية الجديدة الموزعة على مجموعة أطراف وقوى سياسية وممثلي عن المجتمع المدني، باعتبار أن اللبنانيين كانوا ينتظرون هذا الاستحقاق، ليقولوا كلمتهم ويعبروا عن رفضهم لبقاء هذه السلطة التي تتحمل مسؤولية كبيرة في وصول البلد إلى ما وصل إليه. فكان الاقتراع للتغيير ولمشروع بناء الدولة الذي عبر عنه الناخبون في جميع دوائر الدولة، في مواجهة طبقة سياسية تفتقد إلى أدنى مقومات الشفافية والنزاهة والأخلاق، وتعتبر مسؤولة عن كل ما حل باللبنانيين من نكبات وانهيارات.
وإذا كانت نتائج الانتخابات قد أثلجت صدور السواد الأعظم من اللبنانيين الراغبين بالتغيير في الأداء والممارسة، فإن ما أعقب هذا الاستحقاق من مواقف تصعيدية من جانب الفريق المهزوم، أثار الكثير من القلق وأشاع مخاوف من مرحلة ما بعد الانتخابات، وتحديداً ما يتصل بالاستحقاقات الدستورية المنتظرة، سيما تشكيل الحكومة وانتخابات رئاسة الجمهورية في الخريف المقبل، توازياً مع تحذيرات أمنية، من خشية عودة الاغتيالات التي قد تستهدف نواب الأكثرية الجديدة.
وفي حين يتوقع أن يعود «حزب الله» إلى لغة التشدد في ما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لرد الاعتبار له ولفريقه السياسي، بعد ضربة الانتخابات ، إلا أنه في المقابل، فإن الأكثرية المنتخبة تعتبر أن ما بعد الانتخابات ليس كما قبلها، وأنه لم يعد بالإمكان القبول بإملاءات «حزب الله»، وتحديداً ما يتصل باستحقاقي تشكيل الحكومة وانتخابات الرئاسة الأولى. بعدما اتسعت مساحة الاعتراض وبقوة داخل البيئة المسيحية ، في مواجهة محاولات الحزب ، الاستئثار بتسمية رئيس الجمهورية الجديد، بعدما شارفت ولاية الرئيس ميشال عون على الانتهاء. وتحت هذا العنوان جاءت مواقف البطريركية المارونية الأخيرة على لسان البطريرك بشارة الراعي، برفض فرض رئيس جمهورية على اللبنانيين، على غرار ما فعله «حزب الله» عندما عطل انتخابات رئاسة الجمهورية، حتى كان له ما أراد بانتخاب الرئيس عون، بعد سنتين ونصف من الفراغ.
أما وقد أسفرت الانتخابات النيابية عن انتقال الأكثرية من ضفة إلى أخرى، فإنه يتوقع أن يزداد الموقف المسيحي تصلباً، إلى جانب القوى السيادية والتغييرية في رفض أي تدخل من جانب «حزب الله» وحلفائه في انتخابات رئاسة الجمهورية، ومحاولة فرض رئيس على اللبنانيين، قبل الموعد الدستوري، باعتبار أن هذا حق سيادي وقانوني لمجلس النواب، لا يمكن لأي طرف تجاوزه أو تجاهله، بعدما سبق لبكركي أن أعلنت رفضها أي محاولة من جانب حزب الله أو سواه، للتأثير في مجرى انتخابات رئاسة الجمهورية.
مخاوف من أن يكون البلد أمام مرحلة تعطيلية جديدة
وفي موازاة عودة أجواء التشنج إلى الساحة الداخلية، على خلفية المواقف من نتائج الانتخابات، فإنه من غير المستبعد أن يكون البلد أمام مرحلة تعطيلية جديدة، بكل ما تحمله من تداعيات بالغة الخطورة، على وطن يحتضر، فيما مسؤولوه بعيدون عن الواقع، ويعيشون انفصاماً غير مسبوق، ينذر بغرق المركب بمن فيه، فيما تكاد تذهب كل النداءات العربية والدولية هباء، من مغبة انهيار الهيكل على رؤوس الجميع، دون أن تلاقي الصدى المطلوب من جانب القيمين على الحكم والمسؤولية في لبنان.
وترى أوساط مسيحية، أن «التطورات والظروف الراهنة لن تسمح لما يسمى بـ«محور الممانعة» بأن يعيد الكرة كما حصل في 2016، وأن يكون هو صاحب الرأي وصاحب القرار ، وأن تكون العصمة بيده في موضوع تسمية رئيس الجمهورية . فالظروف تغيرت ومن هنا كانت الانتخابات النيابية فعلياً مفصلية، تفادياً لعدم تكرار التجارب السابقة، بعدما نزع الشعب اللبناني وكالته عن الأكثرية السابقة التي أغرقت البلد في بحور من الأزمات، وعزلته عن محيطه العربي، في واحدة من أسوأ الكوارث التي أصابته، وأدت إلى ما أدت إليه من فواجع أصابت اللبنانيين في الصميم. ولهذا فإن الحكومة الجديدة التي ستشكل، مطالبة باستكمال فتح الخطوط مع الدول الخليجية، بعد الانفراجة الأخيرة التي حصلت، حرصاً على مصالح لبنان، ومن أجل مساعدته على الخروج من أزماته».