لا يمكن التقليل من احتمال احتفاظ 8 آذار برئاسة الجمهورية، وبمعزلٍ عن الانعكاسات السلبية لأمر من هذا القبيل على الواقعين السياسي والمالي يبقى السؤال حول كيفية مواجهة هذا الاحتمال في حال تحوّله إلى أمر واقع؟
المخاوف من احتمال انتخاب رئيس للجمهورية من فريق 8 آذار مردّها إلى شرذمة المكونات المعارضة في مجلس النواب وعدم اتفاقها على توجّه واحد، كما عدم قدرتها حتى اللحظة على التفاهم حول خطوط عريضة واستحقاقات أساسية في طليعتها الانتخابات الرئاسية، فيما الفريق الآخر ينطلق من كتلة صلبة ومتراصّة ومتماسكة تصل إلى حدود الـ60 نائباً، ومع صعوبة تعطيل المعارضة للنصاب، وقد لا تكون في هذا الوارد أساسا، ومع سَعي الفريق الحاكم لتكرار تجربة انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه بالنصف زائدا واحدا في انتخابات الرئاسة الأولى، فإنّ المخاطر من فوز هذا الفريق برئاسة الجمهورية كبيرة.
ولكن هناك ثلاثة عوامل من ضمن توازنات البرلمان ستطيح باحتمال انتزاع 8 آذار للرئاسة الأولى:
العامل الأول ان يرفض الرئيس نبيه بري تمنّي السيد حسن نصرالله بتبنّي ترشيح النائب جبران باسيل لرئاسة الجمهورية، ومع التوازن البرلماني العددي الدقيق لن يتمكن باسيل من ولوج عتبة الـ65 صوتاً، وهذا في حال اكتفى بري بمعارضة هذا التوجه بالامتناع عن التصويت لرئيس «التيار الوطني الحر»، خصوصا انه كان ضد ترشيح العماد ميشال عون وبقي على موقفه، ولن يتساهل مع وصول باسيل، فيما أولوية نصرالله دائما وحدة موقف الثنائي الشيعي، وبالتالي موقف بري يشكل بيضة القبان على هذا المستوى.
العامل الثاني ان يرفض باسيل تمنّي نصرالله بتبنّي ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية ولو كان العرض بأن يكون على غرار الشيخ بيار الجميل مع الرئيس فؤاد شهاب، بمعنى ان يكون ممسكا بالتمثيل الوزاري والإداري والعسكري والمالي، ومع رفض باسيل يستحيل انتخاب فرنجية ليس فقط لاعتبارات نيابية عددية، إنما بسبب تمسُّك «حزب الله» بالغطاء المسيحي الذي يؤمنه له «التيار الوطني الحر»، وبالتالي موقف باسيل يشكل بيضة القبان لترشيح فرنجية وانتخابه.
العامل الثالث ان تتّفِق مكونات المعارضة بالحد الأدنى على رفض انتخاب مرشّح من 8 آذار، أي رفض باسيل وفرنجية معا، وان تتّفق بالحد الأقصى على مرشّح واحد لرئاسة الجمهورية، ما يعني انتخابه رئيسا للجمهوية في حال لم يلجأ فريق 8 آذار إلى تعطيل النصاب، وهذا الاحتمال وارد على رغم صعوبته.
وفي موازاة هذه العوامل فإن السؤال الأبرز اليوم: هل يريد «حزب الله» انتخاب باسيل رئيسا للجمهورية؟ وفي الإجابة ردّت أوساط سياسية قريبة من 8 آذار على هذا السؤال بسؤال آخر: لماذا أعطى «حزب الله» الأولوية في الانتخابات النيابية لمرشحي باسيل على حساب حلفاء الحزب أيضا إذا كان ليس بوارد تعزيز وضعه النيابي تحضيرا لدعمه الرئاسي؟ وأردفت: كان باستطاعة الحزب ان يَعدُل بين حلفائه، ولكنه لم يفعل ذلك، إنما أصرّ على تَبدية مرشحي باسيل على حلفائه الآخرين.
وأضافت: لا يهتم الحزب بالجانب المتعلّق بالعقوبات الأميركية على باسيل، إنما قد يستخدم هذا العامل لإقناع جمهوره بالأخير من زاوية انّ سبب العقوبات مرده لتمسك باسيل بالتحالف مع الحزب الذي يعتبر ان تجربة ولاية عون كانت ناجحة فلماذا لا يكررها مع باسيل، خصوصا انه بحاجة لأمرين أساسيين: الغطاء المسيحي الذي لا يؤمنه غير «التيار الحر»، والثلث المعطِّل النيابي والوزاري الذي لا يمكنه تأمينه سوى من خلال التحالف مع التيار، فضلاً عن أمر ثالث يوازي الأمر الأول والثاني أهمية وهو توقيع رئيس الجمهورية وعامل التوازن الذي يشكله على مستوى السلطة التنفيذية مع رئيس الحكومة الذي لا يمكنه ان يعوِّل عليه كثيراً بسبب الشارع السني وامتداداته الخليجية.
ومن هذا المنطلق لا يمكن إسقاط عامل تبنّي «حزب الله» لترشيح باسيل او تبني فرنجية في حال موافقة الأخير، ولكن الأكيد انه لن يتردّد في دعم وصول هذا أو ذاك في حال كان باستطاعته ذلك، إلا ان العائق الأبرز أمام تبنّي ترشيحهما والذي قد يدفع الحزب لخيار ثالث يتمثّل باستمرار عدم المبالاة الخليجية واستطرادا الدولية حيال لبنان، ما يعني ان الانتخابات الرئاسية لن تشكل مدخلاً لفرملة الانهيار، وهذا الجانب يشكل محور اهتمام الحزب لثلاثة أسباب أساسية:
السبب الأول، كَون استمرار الأزمة المالية يعيد الناس إلى الشارع ويضعها في مواجهته باعتبار ان رئيس الجمهورية هو مرشحه، وعودة الناس إلى الشارع لن تكون محطة بعيدة زمنياً مع استمرار التدهور وعلى أبواب فصل شتاء وغلاء المازوت والدولرة الشاملة تقريبا ووصول الناس إلى الحضيض، وهو يدرك ان الرأي العام سيحمِّله مسؤولية التدهور المتمادي بسبب خياراته الرئاسية والسلطوية، ولا مصلحة له بكل ذلك.
السبب الثاني، كَون انتخاب باسيل او فرنجية رئيسا للجمهورية يعني استمرار الانقسام السياسي مع احتفاظ «حزب الله» بموقع الرئاسة الأولى، وهذا الانقسام سينسحب على تشكيل الحكومات ويُبقي المناخات السياسية متوترة، بل قد يرفع منسوب التوتر السياسي من جهة، والاحتقان الشعبي من جهة ثانية، وذلك من زاوية ان الانتخابات النيابية لم تنجح في تعديل ميزان القوى على مستوى السلطة. ولا مصلحة للحزب بالتشنُّج والتوتر والتسخين السياسي الذي يحول دون معالجة الأزمة المالية، الأمر الذي يُبقي سلاحه ودوره تحت المجهر.
السبب الثالث، كَون المجتمع الدولي الذي سيلمس انّ لبنان ينزلق من الأسوأ إلى ما هو أسوأ لن يقف مكتوف الأيدي خشيةً من انفجار اجتماعي يؤدي إلى سقوط الدولة، خصوصا مع رفض دول الخليج تقديم المساعدة لدولة ممسوكة من «حزب الله» بالتوازي مع غياب الحلول واستمرار التدهور، وكل ذلك يحصل وسط تبدُّل في المشهد الإقليمي وصعود المحور المناوئ لإيران للمرة الأولى وبما سيؤدي إلى انهيار التوازن على حساب طهران ودورها الإقليمي.
فأكثر ما يخشاه «حزب الله» هو ان تؤدي خماسية الأزمة المالية والاحتقان الشعبي والانقسام السياسي والتبدُّل الإقليمي والحرص الدولي على تلافي انفجار لبنان إلى وضع سلاحه على بساط البحث دولياً، الأمر الذي لا يناسبه إطلاقاً بسبب ثلاثية ميزان القوى الإقليمي لغير مصلحته، والمزاج الشعبي الذي ظهر في الانتخابات النيابية وتبيّن انه غير مؤيد لسياساته في كل البيئات اللبنانية، وأخصامه السياسيين الذين سيجدون في استمرار الانهيار بسبب مواصلة إمساكه بالسلطة مناسبة لمقاربة جوهر الأزمة اللبنانية المتمثِّل بسلاحه.
فلكل ما تقدّم من اعتبارات وأسباب قد يفضِّل «حزب الله» عدم الذهاب إلى خيار رئاسي يشكل تحدياً مربّعاً لكل من: المجتمع الدولي، دول الخليج وفي طليعتها السعودية، القوى السياسية والناس، ما يعني انه سيعتذر من باسيل وفرنجية ويبحث عن خيار رئاسي توافقي يُعيد الاستقرار السياسي ويفتح الطريق أمام معالجة الأزمة المالية ويُبعد سلاحه عن مشرحة النقاش الدولية والإقليمية والمحلية.