محاولة لإعادة تعويم موقع الرئاسة سياسياً وشعبياً بفعل سوء الأداء وسياسة التعطيل
أثارت دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون لرؤساء الكتل النيابية إلى قصر بعبدا يوم غدٍ الأربعاء تحت عنوان «التشاور» حول خطة الانقاذ المالي والاقتصادي التي أقرّتها الحكومة الأسبوع الماضي، مآخذ واعتراضات قوى سياسية معارضة وداعمة للحكومة، بعضها معلن والبعض الآخر مستتر بخصوص مدى صوابيتها الدستورية أو إمكانية تأثيرها في تعديل أو تحسين مكونات الخطة التي وصفها عون بالتاريخية خلافاً للواقع، في حين أكّد رئيس الحكومة من جانبه بأنها خطة نهائية.
مآخذ القوى السياسية المعترضة على هذه الدعوى عديدة، منها الناحية الشكلية، باعتبار انه بعد إقرار خطة الحكومة الإنقاذية في مجلس الوزراء، لا بدّ وان تسلك المسار الدستوري وتحال على المجلس النيابي لكي تناقش هناك من قبل الكتل النيابية وتقرّ بصيغتها النهائية وتصدر بالقوانين المطلوبة.
ولذلك، فإن تحديد هذا اللقاء «التشاوري» من قبل رئاسة الجمهورية يطرح أكثر من تساؤل عن تجاوز في مكان ما لدور المجلس النيابي أو قوطبة في غير محلها على صلاحياته الدستورية، بينما إذا كان الهدف الحقيقي من وراء هذه الدعوة تحصين الخطة بإجماع سياسي من القوى السياسية الموالية والمعارضة على حدٍ سواء، لكانت اشبعت هذه الدعوة درساً وتم الاستعاضة عنها بدعوة الزعامات السياسية ورؤساء الأحزاب بدلاً من رؤساء الكتل النيابية لهذه المهمة أسوة بما كان يحصل في جلسات الحوار السابقة، ولو حصل ذلك لتم تجاوز مثل هذه الحساسيات وتقلصت إلى حدٍ بعيد الاعتراضات والمآخذ والتباينات السياسية حول هذه الدعوة.
يبدو من مؤشرات ما تخلل هذه الدعوة أن الهدف غير المعلن هو الحصول على تغطية سياسية شاملة لهذه الخطة
أما المأخذ الآخر على مضمون الدعوة فهو من الناحية المبدئية يفترض ان يتم التشاور قبل إقرار الخطة بشكلها النهائي في مجلس الوزراء، للأخذ بعين الاعتبار الملاحظات والآراء البناءة والهادفة منها وادخالها في مضمونها قبل اقرارها نهائياً، والسؤال المطروح هو كيف يتشاور رئيس الجمهورية مع رؤساء هذه الكتل على خطة اشبِعت درساً في اللجان الوزارية والفنية خلال الأسابيع الماضية وأقرت نهائياً في مجلس الوزراء؟
سيكون مجرّد لقاء بروتوكولي لطرح أفكار ورؤى من دون اي نتائج ملموسة، والمأخذ المهم الآخر على الدعوة، هو كيف يدعو رئيس الجمهورية رؤساء الكتل النيابية المعارضة وتحديداً منها كتلة «تيار المستقبل» وهو على خصومه وتباعد سياسي ويتشاور معهم في هذه الخطة، فيما لا ينفك هو ورئيس الحكومة وفريقه السياسي عن كيل الاتهامات بالفساد وتحميلهم مسؤولية الأزمة القائمة وينتقد السياسات الخاطئة التي مورست خلال الثلاثين سنة الماضية، وغيرها من التعابير الممجوجة التي تساهم في تسميم الأجواء والعلاقات السياسية باستمرار.
فإذا كان الهدف الحقيقي لهذه الدعوة للتشاور مع رؤساء الكتل النيابية القيام بجولة واسعة من استطلاع الآراء وتبيان المفيد والمثمر منها لإغناء الخطة وتحصينها بقوة الإجماع الوطني واعطاءها قوة دفع محلية وإعادة احياء الثقة الداخلية والخارجية بها، لكان استوجب الأمر قبل ذلك من الرئاسة اتخاذ سلسلة خطوات سريعة لتنفيس عوامل الاحتقان السياسي والتباعد مع هذه القوى المعارضة، والعمل على تبريد الأجواء وإعادة تطبيع العلاقة معها في سبيل تحقيق هذا الهدف.
ولكن من الطبيعي ان تقابل مثل هذه الدعوة بالاعتراض أو بالشكوك من حولها من قبل هذه القوى السياسية المعارضة في ظل استمرار حملات رمي مسؤولية الأزمة على فريق «الحريرية السياسية» زوراً وبهتاناً، بالتزامن مع الحملات المتواصلة لاستهداف رموز وموظفين لهذا الفريق في مختلف إدارات ومؤسسات الدولة.
ولكن يبدو من وقائع ومؤشرات ما تخلل هذه الدعوة من مواقف وتصريحات ان الهدف غير المعلن هو الحصول على تغطية سياسية شاملة لهذه الخطة التي يكتنفها الكثير من الالتباسات والثغرات والتباينات، لكي يسهل تمريرها بالداخل أولاً ولتقديمها بعد ذلك إلى صندوق النقد الدولي بهذه الصورة، في حين ان الأمر يتطلب قبل كل ذلك، ليس فقط الاستماع إلى الآراء والملاحظات التي تبديها المعارضة بل الأخذ بها فعلياً لتعديل ما تتطلبه الخطة لتكون متكاملة وتعبّر عن الإجماع الوطني من حولها، وهذا لا يبدو ميسراً حتى الساعة، في حين ان وضع خطة مدروسة بجدّية وحرفية من قبل كافة الأطراف السياسيين من موالاة ومعارضة وقوى اقتصادية ومصرفية فاعلة، يعطي قوة دفع حقيقية تساعد في تسريع التفاوض مع صندوق النقد الدولي وتساهم في تبريد حدة التباينات السياسية والتخفيف من وطأة الأزمة التي تتفاعل يوماً بعد يوم.
ولكن يبدو من وقائع الحركة السياسية ان الهدف الآخر الأساس من وراء هذه الدعوة التي ما تزال موضع أخذ ورد، ليس فقط التشاور الجامع لرؤساء الكتل النيابية في ظل هذه الأجواء المتوترة سياسياً مع المعارضة فقط، بل مع بعض القوى المشاركة بالحكومة أيضاً حول تحصين ودفع خطة الانقاذ المالي والاقتصادي فقط، بل من خلالها لإعادة تعويم موقع الرئاسة الأولى الذي تأذى كثيراً في السنوات الماضية بفعل سوء الأداء وسياسة التعطيل التي انتهجها فريقه السياسي والتي اوصلت البلاد إلى حال يتخطى الأزمة إلى ما هو أسوأ بكثير كما تدل المؤشرات السلبية للواقع الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي في البلاد، والذي لم تعد تنفع معه مثل هذه الدعوات بالرغم من كل ما يحاك حولها من مظاهر وشكليات لا تمت إلى الحقيقة بصلة.