بدأ ثلج العاصفة السيبيرية بالذوبان، ومعه مرج السياسة اللبنانية يَبان، وانتظر البعض وما زال، ما حذر منه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في اطار حثه الحكومة على مهاجمة الدواعش والنصراويين المتربصين في الجرود، قبل أن يبادروا هم، بالهجوم، مستفيدين من حالة الصحو والشمس الدافئة، فإذا بالهجوم يأتي من داخل المواقع الوزارية، وعلى محور آلية عمل الحكومة بالتحديد، والتي هي محل تجاذب بين فريقين، أحدهما يرى أن لا مجال لتسيير عمل الحكومة من دون العودة الى الالية الدستورية التي توجب توقيع القرارات في مجلس الوزراء وكالةً عن رئيس الجمهورية بأكثرية النصف زائداً واحداً للقضايا العادية وللثلثين للقضايا الأهم. والآخر يتمسك بالآلية المعتمدة منذ نيل هذه الحكومة الثقة، والتي توجب تحميل القرارات والمراسيم تواقيع ٢٤ وزيراً أياً كان مضمونها…
واللافت أن هذا الموضوع تحول الى عملية كباش، بين أبناء الصف السياسي الواحد، وعلى خلفية تلامس الأبعاد الطائفيةَ!..
في الأساس، طرح الرئيس تمام سلام موضوع تعديل الآلية بعدما ضاق ذرعاً ب الفيتوات المتبادلة بين الوزراء على مختلف المواضيع المطروحة، بعدما بات كل وزير يتصرف من موقع حامل أختام رئيس الجمهورية، يوقع ما يطيب له من مراسيم ويرفض توقيع ما لا يطيب، وقد أيده في هذا رئيس البرلمان نبيه بري وكتلة المستقبل ومعظم فريق الثامن من آذار كل بنسبة حماس متفاوتة، الرئيس بري بحماس كبير، وكتلة التغيير والاصلاح بحماس أقل، عبر عنه النائب ابراهيم كنعان أمس، بقوله إن التكتل ينتظر عودة الرئيس سلام لطرح سلسلة حلول لهذه المسألة مشيراً الى معيارين: عدم شل الحكومة في ظل الشغور الرئاسي، وضرورة ايجاد اجراءات دستورية…
المطالبون بتعديل الآلية، وضعوا في الكفة المقابلة ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، كي يسقط مبرر الآلية من الأساس، فعندما يحضر الماء يبطل التنجيم، كما في الاعتبارات الاسلامية.
بالمقابل، تصدى الوزراء المسيحيون بغالبيتهم لتعديل الآلية، اقتناعاً بأن تصعيبها، لا يشل عمل الحكومة بقدر ما يلزم بالاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية. بمعنى آخر ان تعديل الآلية، يسهل عمل الحكومة في استصدار القوانين والمراسيم، لكنه يكرس بالمقابل نوعاً من الاعتياد على غياب رئيس الجمهورية، بحيث يغدو الرئيس لزوم ما لا يلزم عند الضرورة، وللانسان من دهره ما تعوّد.
هذا الموقف الرافض أطلقه بداية الرئيس امين الجميل، عبر وزراء الكتائب، وفعّله الرئيس ميشال سليمان باللقاء الوزاري الذي انعقد في منزله وضم وزراءه ووزراء حزب الكتائب، وقد غاب عنته الرئيس الجميل لتوعكه، واتصل الدكتور سمير جعجع بالجميل مطمئناً، ليؤكد معه على ضرورة الاسراع بانتخاب رئيس للجمهورية بدل التلهي بالطروحات الجانبية.
وهكذا وجد الدكتور جعجع نفسه في صفّ سليمان والجميّل حيال هذا الموضوع الحساس، واذا بالبطريرك مار بشاره الراعي يتوجه، بحثّه السياسيين من بكركي على الاسراع بانتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد، منتقداً ما وصفه بالحركة السياسية السيّئة، ومعتبراً ان لا مجال لممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية إلاّ بالتوافق وبذهنية تصريف الأعمال، أو بابتكار آليات تتنافى مع الدستور، وكأن الفراغ أمر مفروغ منه…
المشاركون بلقاء اليرزة سارعوا الى نفي ما تردد عن تشكيلهم لتكتل وزاري مسيحي مستقل، ويقول أحد المشاركين ان هذه الخطوة على أهميتها أبعد ما تكون من ولادة تكتل وزاري، انما هي مجرد لقاء اقترحه الرئيس الجميّل وتلقفه الرئيس سليمان، وسيكون الاجتماع الثاني في دارة الجميّل، وهدفه الأول والأخير الدفع باتجاه انتخاب رئيس الجمهورية.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، ماذا لو تمسّك الفريق الحكومي المنادي بتعديل الآلية، بموقفه، وماذا يفعل الفريق المسيحي الرافض؟ هل تلحق الحكومة من حيث الشلل، بمجلس النواب، أم تغرق هي الأخرى بفراغ رئاسة الجمهورية؟
المشارك في لقاء اليرزة، قال أبداً… الحكومة لن تسقط، مهما بلغت حدّة الخلافات بين أطرافها، وحتى تعليق الجلسات لا يعني بداية الانفراط، خصوصاً وان مهمتها الأساسية انتخاب رئيس الجمهورية، وليس تصريف أعمال رئاسة الجمهورية، وفي رأي هذا المشارك ان الرئيس المقبل سيكون حاملاً لبرنامج مصاغ سلفاً من قبل التوافق الاقليمي – الدولي، ومذكراً بأنه كما أتى الرئيسان الياس الهراوي واميل لحود نتيجة التوافق السعودي – السوري – الأميركي، وأتى الرئيس ميشال سليمان كثمرة لزيارة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز الى دمشق، سيأتي الرئيس العتيد بتوافق اقليمي – دولي على مستوى المنطقة، وليس لبنان وحده.