أبعد من هدير الإنتخابات التشريعية ومن نتائجها، وأقوى من اي موقف يمكن رصده بعد غياب المهاتما غاندي المفجع، اي منذ 30 كانون الثاني من العام 1948 حتى اليوم قول السيّد رئيس الجمهورية “تركتُ خريطة طريق يمكن لمن سيخلفني الإقتداء بها”.
قبل الجنرال لم يفعل الرؤساء شيئاً يُذكر. لم يتركوا لا “خطيطة” ولا أي خريطة.
بشارة الخوري ما أحد انتبه لمروره في التاريخ.
ابن شمعون بالكاد اعطى المرأة حق الانتخاب ووضع قانون من اين لك هذا وسرية المصارف، وفي عهده نشأت الجامعة اللبنانية ومصلحة الليطاني ومرفأ طرابلس ودار المعلّمين… لم يترك “الرئيس الملك” أي خريطة.
اللواء شهاب معتر. ترك للبنانيين المشروع الأخضر ومجلس الخدمة المدنية، وضع اول خطة للإنماء وانشأ مصرف لبنان وقانون النقد والتسليف … لم يترك لسلفه خريطة.
الرئيس حلو ترك شبكات كهرباء ومياه متطورة، وعالج اكبر أزمة مالية عرفها لبنان وعمل على تعزيز الحريات.
منعاً للإطالة التاريخية كل رئيس ترك بعد مغادرته منجزات بسيطة. لكن أحداً لم يترك خلفه خريطة طريق شاملة وما سيكتشفه اللبنانيون بعد خمسة أشهر ونصف أن الخريطة الرئاسية تشمل خطط الكهرباء والسدود والميترو والطاقة الذرية، والتصنيع العسكري واستخراج البترول والغاز وتفعيل الإقتصاد المنتج وتربية دود القز.
وتتضمن خريطة الطريق خرائط ما “بتخرط” براس، منها خريطة لاستيعاب الدولة ضمن الدويلة.
خريطة طريق تقود الى منتجع سد المسيلحة.
خريطة طريق لدوام الحياة على أرض مفلسة.
خريطة للقضاء على الفساد.
وترك الرئيس لخلفه التشكيلات القضائية الموجودة في البراد لسنتين من دون أن تطلع رائحتها.
ترك نماذج تطبيقية للتعطيل الحكومي.
ترك تاريخه بين أيدي المؤرخين.
ترك جنى عمره يتبخر. نجت فقط التحويلات إلى بنوك باريس في ثمانينات القرن الماضي كما كشف الرئيس الياس الهراوي وهبات صدام.
ترك “ماكيت” لأكاديمية الإنسان للحوار والتلاقي. وما على سلفه إلّا صب الأعمدة والسقف.
ترك لبنان في سن اليأس.
ترك الرئيس للأجيال الجديدة مجموعة خطب وأحاديث إن جُمعت بين دفتي كتاب ستكون بأهمية كتاب علم الأخلاق للمغفور له باروخ سبينوزا. وجميعنا بانتظار أول إصدار لمؤسسة العماد ميشال عون.
ما سيتركه في الواقع خريطة اوهام وأحلام وأحقاداً وعجزاً وطريقاً مليئاً بالحفر وبالمطبات تتوسطها عواميد على وشك السقوط.
على خطى أفلاطون الذي رفع على باب منزله لافتة “من لم يكن مهندساً لا يدخل الى منزلنا”، سيرفع السيّد الرئيس على مدخل قصر شعبه من لم يكن مثلي لن يدخل الى بعبدا، وكم ستكون الأجيال مدينة له أنه ترك للبنانيين صهره الأوّل في تراتبية العرش وذلك لتطبيق خريطة الطريق حرفياً. رحمتك يا رب.