البحث في مواصفات رئيس الجمهورية بين المتحاورين، الذي سيستأنف في 26 من الجاري، يذكّر بالمواصفات التي كانت سوريا تحددها له في الماضي، وهو ما كان يعرف باسئلة الامتحان، وكان السؤال المهم: “هل توافق على بقاء القوات السورية في لبنان؟”، فمن اجاب بـ”نعم” صار رئيساً للجمهورية، ومن أجاب بـ”لا” خسر الرئاسة… وقد نجحت سوريا في ابقاء قواتها في لبنان مدة ثلاثين عاماً تحت عبارة أو ثلاثية “ضروري وشرعي وموقت”، واشترطت لسحب قواتها من لبنان ان تطلب ذلك حكومة وفاق وطني وهي الحكومة التي يتمثل فيها حلفاء لها لن يوافقوا على هذا الطلب وإلا انفجرت الحكومة من الداخل. وتوالى تشكيل حكومات “الوحدة الوطنية” الكاذبة والمزيفة كي لا يتغير شيء بالنسبة الى موضوع القوات السورية في لبنان، خصوصاً انه كان يفرض على كل حكومة تضمين بيانها الوزاري عبارة “ضروري وشرعي وموقت” اشارة الى وجود هذه القوات.
ويواجه لبنان اليوم مع وجود السلاح في يد “حزب الله” ما واجهه مع وجود القوات السورية. فالمرشح للرئاسة الذي يجيب بـ”نعم” على بقاء هذا السلاح خارج الدولة ويتمسك بـ”الثلاثية الذهبية “الجيش والشعب والمقاومة” يصير رئيساً من دون عناء، ومن يقول “لا” يخسر الرئاسة، وان عليه ايضاً ان يدرج في البيان الوزاري لكل حكومة هذه المعادلة الثلاثية، وإلا يكون قد حنث بوعده إن لم يكن بقسمه.
لذلك كان الياس سركيس والياس الهراوي والعماد اميل لحود رؤساء جمهورية لأنهم وافقوا على بقاء القوات السورية في لبنان، واعتبروا هذا البقاء “ضرورياً وشرعياً وموقتاً”، والبحث جار الآن عمن يقبل ببقاء السلاح في يد “حزب الله” لأنه “ضروري وشرعي وموقت” ولمواجهة خطر اسرائيل. وقد استبدلت هذه العبارة التي بررت بقاء القوات السورية 30 عاماً في لبنان بعبارة “الجيش والشعب والمقاومة” ووصفت بالمعادلة الثلاثية الذهبية، وهو ما جعل رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد يحدد مواصفات الرئيس بأن يكون “متبنيا المقاومة وخياراتها واستراتيجيتها السياسية ويمتلك الاكثرية في المكون الذي ينتمي اليه ويحظى بتأييد مكونات اخرى، وان يكون مؤمناً وحريصاً على تطبيق الشراكة الحقيقية، وألا يكون وصوله الى الرئاسة محل تبن ورعاية من دول اجنبية وبخاصة تلك الراعية للاعتداءات الاسرائيلية”…
هذه المواصفات تنطبق على اثنين هما: العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجيه لأن لكل منهما مواقف مؤيدة للمقاومة ودعوة حتى الى شرعنتها. واذا كان نصف اللبنانيين هو مع هذه المواصفات فان نصفهم الآخر هو ضدها، ما يضع البلاد بين خيارين: إما انتخاب رئيس يؤيد مواصفات “حزب الله” ومن معه، وإما لا رئيس الى ان يصيير اتفاق على الخيار الثالث وهو رئيس توافقي يستطيع ان يجد حلاً لمعضلة سلاح الحزب خصوصاً مع ايران لأنها صاحبة القرار، وإما بالاتفاق على استراتيجية دفاعية تضبط استخدام هذا السلاح بحيث يصبح قوة اضافية لسلاح الدولة في مواجهة اي عدوان.
والسؤال المطروح هو: هل ايران مستعدة لأن تطلب من “حزب الله” التخلي عن سلاحه وهي لا تزال تخوض حروباً في المنطقة وقبل ان تعرف دورها وحجم نفوذها فيها، ولا أحد يعرف متى تنتهي هذه الحروب ليصير في الامكان حل مشكلة السلاح خارج الدولة اللبنانية؟ وهل ايران مستعدة لأن توافق على فصل الوضع في لبنان عن الوضع في المنطقة لانه وضع مختلف وفي الامكان معالجته بسهولة اذا ما أيدت رئيساً توافقياً للبنان مقبولاً من القوى السياسية الاساسية ولا هو محسوب على هذا المحور او ذاك لأن لا شيء يجمع اللبنانيين ويعزز عيشهم المشتركة وسلمهم الاهلي سوى تحييدهم عن كل صراعات المحاور.
الى ذلك، يمكن القول ان لا رئيس للبنان الا اذا كان توافقياً، ولكي يكون كذلك يجب ان يحظى بموافقة اقليمية ودولية لكي ينعكس ذلك ايجاباً على الداخل اللبناني، ولكي يستطيع هذا الرئيس ان يحكم ولا يكون محكوماً.
أما اذا استمرت مشكلة السلاح خارج الدولة ولا حل لها في المدى المنظور ما دامت ايران منشغلة بحروب في المنطقة ولا سيما في سوريا وقد ازدادت خطورتها بالتدخل العسكري الروسي، فان لبنان سيظل يواجه مخاطر استمرار الشغور الرئاسي، او يكون له رئيس لا دور له سوى مواصلة ادارة الازمات فيه وليس رئيس حلول، وهي ازمات لا خروج منها لا بانتخابات نيابية، ولا بتشكيل حكومات ما دام في لبنان سلاح خارج الدولة اقوى من سلاحها وسلطة حامليه اقوى من سلطتها.