بانتظار «إطلاق سراحه» بصورة نهائية، وخروجه من «السجن الحكومي»، وعطفا على ما أعلنه الرئيس سلام من أنه مع تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومة العهد الجديد العتيدة، وأنه نتيجة لذلك فهو يعيد الأمانة إلى صاحبها، ولو كانت لديه رغبة في الإفصاح عن مزيد من الوقائع، لأضاف إليها بأنه يُسلمّ كرةَ النار التي ألهبت يديه وفكره وممارساته، لمدة تجاوزت الثلاث سنوات، ذاق خلالها الأمرين من هول الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي تضمنتها، ومن دلع وممارسات معظم الفئات السياسية والحزبية التي شاركت في الحكومة التي اشتهرت بأنها حكومة الأربع وعشرين رئيس جمهورية، تحكّموا بإراداتهم ومصالحهم ومطامعهم واستهدافاتهم السياسية المتناقضة، بالوجود الحكومي، فعصروه وكتّفوه وكبّلوه، فكانت وزارة الرئيس سلام، وفقا لوصفه لها ولمستوى انجازيتها الهزيل، بأنها حكومة يتجسد فيها الفساد، وما قاله ذلك الرئيس «الآدمي» في حكومته ومكوناتها وانتهاكاتها ليس له سابقة «يفشّ» فيها الرئيس «خلقه» الذي كان يتفجّر لديه مع مطلع كل شمس ولدى انعقاد أية جلسة لمجلس الوزراء وما قبلها وما بعدها، رئيس لوزارة تشكلت من وزراء جاء معظمهم ضمن إطار تجمع سياسي متناقض ومتناهض ما بين مكوناته ومع الآخرين، فاقتصرت إيجابياته على رمز استمرار الشرعية الذي أمّنه لتلك الحكومة استمرار الرئيس سلام في تحمل المسؤولية، وهو محكوم بالبقاء في السجن الحكومي الذي شكلته له الظروف المأساوية التي طاولت البلاد والعباد، فكان «أيوب» الرؤساء الذي يشهد له الجميع بصبره وحكمته وتفانيه في تشكيل ذلك الحبل الممتد ما بين استمرار الحكومة ومن خلالها رئاسة الدولة بالوكالة، التي تمثلت بصورة استثنائية في رئيسها المعاني والمكابد، وبين استمرارية الدولة والشرعية والحد الأدنى من تواجد رأس لها ومرجع يكاد أن يكون شكليا، متحملا بوجوده وشكليته شتى أنواع الضغوط والإساءات والمظالم. وقد كانت لفتة معبرة تلك التي ترأس فيها أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري وفدا من أعضاء وأركان التيار، ناقلا للرئيس سلام الشكر والامتنان للدور الوطني الكبير والحكيم الذي وقع على كاهله ما يزيد على الأعوام الثلاثة التي كانت دون شك مرحلة من أصعب المراحل التي مرّت على هذا البلد المنكوب في مجمل مراحل تاريخه الحديث.
هي كرة من النار، أُنزلت من أيدي وأكتاف الرئيس سلام، وها هو اليوم مع حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى في العهد الجديد، بما لديه من كفاءات ومعطيات إيجابية باتت منكبة على معالجة اللهب الذي ساد البلاد خلال سنوات الفراغ السابقة بشتى أنواع المعالجة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهو الوحيد بين القادة السنة، القادر على الإمساك بمقاليد الشرائح الشعبية التي خاطر في اعتماد توجهاته الأخيرة في خوض غمارها رغم الأمواج والعواصف التي كانت تسود البلاد في هذه المرحلة شديدة الصعوبة والتعقيد، وبالرغم من نجاحات متميزة حققها الرئيس الحريري في هذا الإطار، كان لكلماته ومقابلاته ومواجهاته الإعلامية بصددها، الأثر الواضح والناجح في تبريد وتلطيف بعض سلبياتها، يضاف إليها ذلك الإجماع الوطني على ترشيحه لكل تلك المهام الجسام التي تنتظره وتنتظر العهد الجديد، والأسلوب الهادئ والمهدّئ الذي اعتمده الرئيس عون في معالجة العراقيل التي طاولت المبادرة الحريرية، مما سهل عملية تقبل بعض الشرائح الوطنية لصعوده المفاجئ إلى موقع الرئاسة الأولى.
مع ذلك كله،
كرة النار التي حملها الرئيس سلام طوال الفترة الطويلة الملتهبة من عمر حكومة تصريف الأعمال، ها هي اليوم في أيادي الرئيس الحريري، وقد ردّها الرئيس سلام إليه وإلى موقعه المتميز لدى الطائفة السنية ولدى الشرائح الوطنية كافة، ومما لا شك فيه أن ذلك قد أعطى فسحة من الأمل بكثير من الإيجابيات التي يمكن تحقيقها في إطار المستجدات التوافقية الأخيرة.
ومع ذلك كله… هي كرة نار.. كانت ملتهبة، وما زال الكثير من مكونات لهيبها قائما ومستمرا، تغلّفه في هذه الأيام سلسلة من التصريحات والأقوال والممارسات الإيجابية، آملين أن تستمر إيجابياتها في مراحل الحكم القادمة.
ويا أيها الرئيس الذي أعاد الأمانة إلى صاحبها، يشيد اللبنانيون جميعا بأمانتك وشجاعتك وصبرك وحكمتك التي نَجحْتَ في الحفاظ على فضائلها وأفضالها ما يزيد على سنوات ثلاث.
وإلى الرئيس الحريري، الذي عادت الأمانة إلى يديه، أعانه الله على حملها، فالأحمال ثقيلة، والاحتمالات المختلفة تشغل أذهان الوطن والمواطنين، خاصة وأن هناك من «يلطي» للمسيرة الجديدة على أكثر من مفرق، ومع ذلك، فالإيجابيات المتوقعة باتت تطفو على سطح الأحداث، بشكل أوضح، تحمل في طياتها عددا من ملامح الإنقاذ والخلاص في بعض زواياها التي لطالما سبق أن طُمِسَتْ معالمها بظلمة داكنة.