Site icon IMLebanon

«الرئيس».. «المؤدلج»!  

من بين الدول السبع التي شملها قرار دونالد ترامب بمنع سفر رعاياها إلى الولايات المتحدة، وحدها إيران اتخذت أداء عكسياً مماثلاً.. ووحدها بدت مهمومة أكثر من غيرها، بانقطاع التواصل مع الأميركيين، مع أنها الأكثر إشهاراً للعداء لهم! والأكثر احتجاجاً على سياساتهم الخارجية!

في المبدأ العام، لا يحتمل قرار ترامب سوى إدراجه في منظومة العقاب الجماعي، بل لا يمكن اعتباره غير ذلك، لا في السياسة ولا في التجارة ولا حتى في الأمن القومي. وذلك يفسّر أو يتمم تفسير المناحة المضادة لذلك الإجراء ولغيره من الإجراءات التي اتخذها وسيتخذها الرئيس الأميركي باعتبار أن جذورها عنصرية (وطائفية!) بغيضة وسامّة، وبعيدة أساساً عن كل قيم الديموقراطيات الغربية وعن مبدأ العدالة (المقدّس!) الذي يعني من ضمن معانيه الآسرة، (والمألوفة في الإرث البشري ككل) عدم تحميل جماعة مسؤولية تصرفات بعض منها! ثم عدم تحميل الخارج تبعات مآزق الداخل!

وذلك تماماً، ما تعنيه إجراءات ترامب إزاء منع دخول رعايا بعض الدول الإسلامية، أو إزاء الذهاب إلى بناء جدار على الحدود مع المكسيك: يعاقب على «الهوية»! تماماً مثلما كانت الميليشيات في الحرب اللبنانية تبرر جرائم القتل والخطف التي ترتكبها! وتماماً مثلما فعل النازيون الألمان إزاء كل من هو غير آري! ومثلما فعل الفاشيون إزاء كل آخر مختلف في الدين والعرق والسياسة!

ويصحّ الظن بأن ارتداد ترامب أعمق من الإجراء الأخير الخاص بالدول الإسلامية السبع والمكسيك. بل هو مثلما أظهرت حملته الانتخابية ثم مواقفه العملية بعد فوزه بالرئاسة، متصل بـ»وجهة نظر» شمولية ومبدئية تشهر عداء إزاء «الإسلام» وليس المسلمين فقط، وكل المسلمين وليس جزءاً منهم فقط.. ثم لا تخفي تبرّماً قومياً عاماً، من جيرة دولة كالمكسيك، عنصرها البشري لاتيني ودينها العام كاثوليكي!

وهي ذاتها «وجهة النظر» التي تتآلف «فكرياً» مع النازيين والفاشيين في أمرين اجتماعيين أساسيين. الأول إزاء المرأة وازدرائها (وفق طقوس العصر في كل حال) واعتبار مكانها «الأول» هو البيت، أو مثلما قال نيتشه الأب الروحي لهتلر ولنظرية «الرجل الخارق»، «دور الرجل في الحرب، ودور المرأة في الترفيه عن الرجل».. والأمر الثاني، إزاء المعوّقين وأصحاب الحاجات الخاصة. وفي هذا، لم تغب عن بال كثيرين واقعة تقليد ترامب وسخريته الفظّة خلال إحدى الحملات الانتخابية في كارولينا الجنوبية من المراسل في «نيويورك تايمز» سيرج كوفاليسكي الذي يعاني شللا جزئيا يمنعه من تحريك يديه بشكل طبيعي!

والتوصيف الشمولي هذا لا يغيّب صورة «رجل الأعمال» في شخصية ترامب، ولا براغماتيته المتأتية عن شطارة في جمع المال. بحيث إن الدول الإسلامية السبع المشمولة بقرار منع مواطنيها من الدخول إلى الولايات المتحدة، محطّمة اقتصادياً ومالياً في الإجمال (إيران حالة خاصة عنده!) ومعظمها من دون سلطة مركزية أو تنهشها الحروب! في حين أنه وجد وقتاً كافياً للفصل بين جداره المزمع مع المكسيك ومراعاة خاطر مواطنها رجل الأعمال كارلوس سليم الذي يُعتبر أحد أغنى أغنياء العالم!

لا يخالف المنطق، تبعاً لذلك، إعطاء صدقية للافتراض (السريع) القائل بأن ترامب «الرئيس» هو نتاج أمور كثيرة أبرزها إخفاقات سلفه باراك أوباما في الخارج، وكسره تقليد «الرجل الأبيض» في «البيت الأبيض» في الداخل. وترامب المؤدلج (والديني!) هو أيضاً نتيجة تراكمات كثيرة لكن أبرزها الضخّ الإيراني الأصولي المستدام منذ أكثر من ثلاثة عقود، والذي في خلاصته أصاب الإسلام بضيم غير مسبوق تمظهر بنقيضين عجيبين: أحدهما هو (الرئيس الأميركي) في الغرب! وثانيهما «داعش» في الشرق! وللحديث صلة!