يُحكى انّ صفقة ـ تسوية أُنجزت، أو هي قيد الإنجاز، بين العواصم المشتغلة بالشأن اللبناني، وتحديداً في الاستحقاقين الرئاسي والحكومي وتوابعهما، مشفوعة بالمناخ الداخلي السائد حولها. وانّ كل ما يجري حالياً من تحركات واتصالات هنا وهناك، وربما هنالك، يركّز على تسويق هذه الصفقة ـ التسوية، القائمة على معادلة رئيس جمهورية من فريق مقابل رئيس حكومة من الفريق الآخر.
ويقول مطلعون في هذا المضمار، انّ اطراف التسوية الخارجيين هم المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الاميركية وفرنسا، وانّ ما يؤخّر إخراج هذه التسوية إلى العلن أمران:
ـ الامر الاول، تسويقها لدى الأفرقاء اللبنانيين، حيث يقبلها فريق ويعارضها آخر. وتركّز الاتصالات على تحويل هذه المعارضة قبولاً، وإن تعذّر ذلك فليكن تسهيلاً للوسائل الدستورية الكفيلة بإقرار التسوية.
– الامر الثاني، هو انّ المملكة العربية السعودية التي تريد ان تطمئن مسبقاً وقبل السير في التسوية، إلى مستقبل علاقاتها مع سوريا وايران، وكذلك إلى مستقبل الوضع في اليمن. فهناك تواصل سعودي ـ سوري وتواصل سعودي ـ حوثي، وتواصل سعودي ـ ايراني، وهذا التواصل لا بدّ من ان تظهر نتائجه في أي وقت، وعلى ضوئها يتحدّد مستقبل الاستحقاقات اللبنانية، فيما يرغب الجميع ان تأتي هذه النتائج مشجعة بقوة على إنجازها.
اما في تفاصيل الصفقة ـ التسوية، فيُقال انّها تقوم على انتخاب رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية في اعتباره الأكثر لياقة وانسجاماً مع طبيعة التسويات الاقليمية المنتظرة، فضلاً عن طبيعته التوافقية الداخلية والتي لا تلغيها معارضة بعض القوى السياسية، والمسيحية تحديداً، لانتخابه، وكذلك لا تلغيها علاقته المتينة مع «حزب الله» وحلفائه. ولذلك، يأخذ المشتغلون في الصفقة في الاعتبار، انّ رئيس الجمهورية، سواء كان فرنجية أو غيره، لا بدّ ان يكون على علاقة ملحوظة مع «الحزب» وحلفائه. وبالتالي لا بدّ ان يكون رئيس الحكومة من الفريق الآخر أو على علاقة متينة معه، والفريق الآخر مقصود به هنا من كانوا يسمّون أنفسهم فريق 14 آذار، مع فارق انّه قد يكون ضمن هذا الفريق الآن «التيار الوطني الحر» الذي يعلن حتى الآن عدم تأييده لفرنجية، وحتى لقائد الجيش العماد جوزف عون إذا توافرت الظروف التي تسمح بانتخابه.
اما إمكانية انقلاب الآية، أو التسوية، للإتيان برئيس جمهورية من فريق المعارضة، اي فريق 14 آذار سابقاً، فهي واقعياً ليست متاحة. ولكن إذا حصل الانقلاب فإنّ رئاسة الحكومة تؤول على الأرجح إلى الرئيس نجيب ميقاتي دون سواه، ولكن حتى الآن كل المؤشرات تدلّ إلى انّ المعادلة هي: رئيس جمهورية من مناخ «حزب الله» وحلفائه مقابل رئيس حكومة من مناخ الفريق الآخر أو من تزكيه المملكة العربية السعودية، التي غالباً ما تكون لها تزكيتها لمن يتولّى رئاسة الحكومة اللبنانية منذ الاستقلال وحتى اليوم، إذ نادراً ما اختير رئيس للحكومة ليس على علاقة ممتازة بالمملكة ذات المصالح التاريخية في لبنان، فضلاً عن حرصها على علاقات متينة مع الطائفة الاسلامية السنّية التي ترى في هذا الحرص السعودي ما يشكّل شبكة أمان سياسية ومعنوية لها، علماً انّ السعوديين يحرصون دوماً على تأكيد اهتمامهم بلبنان بكل مكوناته، سواء على المستوى السياسي او على مستوى تقديم الدعم والمساعدة في الايام العادية كما في الشدائد.
وفي معرض الحديث عمّن سيكون رئيساً للحكومة في مطلع عهد الرئيس المقبل، لا يخفي الرئيس نجيب ميقاتي رغبته في ان يكون هو صاحب «الحظ السعيد»، على قاعدة انّ الواقع يفرض ذلك. فحكومته الحالية وضعت خطة للتعافي وفاوضت المؤسسات المالية الدولية والعواصم المانحة في هذه الخطة وسواها من الخطوات المطلوبة لانتشال الوضع اللبناني من الانهيار، وبالتالي يجب ان يكون رئيس الحكومة ليكمل ما بدأته حكومته الحالية. الّا انّ ميقاتي يؤكّد لسائليه انّه لا يرغب بالعودة إلى السرايا مجدداً، وانّه أبلغ رغبته هذه إلى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وكل العواصم المهتمة بالشأن اللبناني وكذلك الأفرقاء الداخليين
ولكن الصفقة ـ التسوية المحكى عنها لا تلحظ ميقاتي لرئاسة الحكومة، وانما تلحظ اسم القاضي والسفير نواف سلام، فيما البعض في الداخل يرشح الرئيس السابق للحكومة تمام سلام، كونه صاحب تجربة مقبولة وشخصية معتدلة ووسطية ووفاقية، فضلاً عن قربه من السعودية، ولا يشكّل تحدّياً لأي فريق داخلي لا على مستوى فريق 8 آذار ولا على مستوى الفريق الآخر. لكن كلا «السلامين»،إذا جاز التعبير، يبدوان مستبعدين، الاول لأنّه يعيش في الخارج منذ سنوات وبعيد من الواقع الداخلي وتعقيداته، فيما الثاني معلقٌ عمله السياسي ومنسحب من الواقع تقريباً منذ ما قبل انسحاب الرئيس سعد الحريري، ولم يخض الانتخابات النيابية في ايار 2022.
وفيما يستمر الحريري معلقاً عمله السياسي الى أجل غير مسمّى لأسباب داخلية وخارجية بعضها خارج عن إرادته، فإنّ احداً لا يرشح الرئيس فؤاد السنيورة الذي يدرك جيداً انّ المرحلة ليست مرحلته لكثير من الاسباب والاعتبارات.
ولذلك يرشح البعض رئيس حزب «الحوار الوطني» النائب فؤاد مخزومي خياراً جديداً في عالم رئاسة الحكومة. فالرجل يعتنق «اتفاق الطائف» وينادي دوماً باستكمال تطبيقه وينتهج خطاً تغييرياً إصلاحياً، منذ دخوله معترك العمل السياسي، وكذلك للرجل علاقاته العربية والدولية، وهو يواظب على اتصالات مع كثير من الدول والمرجعيات المحلية والعربية والدولية منذ ما قبل الاستحقاق الرئاسي، على قاعدة انّ خلاص لبنان لا يكون الاّ بالإصلاح والتغيير والتفاهم مع المؤسسات المالية الدولية، وبعودة لبنان إلى عمقه العربي، وانّ الخلاص الوطني لا يكون الّا بإبعاد المنظومة التي تسببت بإنهيار البلاد وإقامة سلطة جديدة إنقاذية اصلاحية، تعيد الثقة العربية والدولية بلبنان وتنفّذها حكومة فاعلة.
ولذلك يشق مخزومي طريقه على قاعدة انّ ما لديه من مواصفات وعلاقات عربية ودولية، وخصوصاً مع السعودية ودول الخليج العربي، تليق بالمرحلة التي تفرض وجود رئيس للحكومة يستطيع إعادة تطبيع العلاقات بين لبنان والعالم، ويفهم بلغة الارقام، بما يمكنه من معالجة الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي، وهو على تواصل مع المؤسسات المالية الدولية، وقبل اسابيع استضاف في منزله ورشة عمل نيابية شارك فيها 30 نائباً مع ممثلي صندوق النقد الدولي في لبنان، ناقشت ورقة عمل للإنقاذ الاقتصادي والمالي وللإصلاح الاداري، قدّمها للمشاركين في هذه الورشة، على ان يكون للبحث صلة في ورشة مقبلة مماثلة، لتخرج بتوصيات حول ما يمكن اتخاذه من خطوات تكفل الخروج من الانهيار.
في أي حال، فإنّ الجميع مقتنعون انّ اختيار رئيس الحكومة العتيد يبقى مرهوناً برأي المملكة العربية السعودية، الذي غالباً ما يكون هو المرجح في أي خيار من هذا النوع، وخصوصاً في هذه المرحلة التي يبدو أنّ الاولوية فيها هي لتركيبة السلطة الجديدة التي عليها ان تعتنق الإصلاحات المطلوبة داخلياً ودولياً، وتعيد الثقة الخارجية بلبنان وتحافظ على «اتفاق الطائف» وتستكمل تنفيذه على قاعدة أنّ الرياض مكلّفة عربياً ودولياً رعاية تنفيذه منذ إقراره عام 1989.