تُجمع أوساط سياسية مختلفة الانتماءات على وصف المرحلة بأنّها مرحلة تقطيع وقت يَفرضه الواقع المحلي والإقليمي والدولي على الجميع، ما يَعني أنّ أوانَ إنجاز الاستحقاق الرئاسي لم يحِن بعد.
يقول سياسيون إنّ غالبية القوى السياسية كانت في ما مضى تُضيّع الوقت في رهانات كثيرة، ما أضاع فرصاً كثيرة توافرَت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي وأدّى إلى ربط مصيره بالتطوّرات الإقليمية والدولية الجارية والمتلاحقة.
ولكنّ التطور التركيّ المتأتّي من الانقلاب الفاشل الأسبوع الماضي، معطوفاً على التطوّرات التي تشهدها الأزمة السورية، خصوصاً في حلب وأريافها، جعلَ عملية تضييع الوقت في لبنان أمراً واقعاً مفروضاً على مختلف القوى السياسية، في انتظار تبلوُر المشهد الإقليمي في ضوء تداعيات الانقلاب في تركيا وما سيَتركه من انعكاسات على سياسة النظام الداخلية والإقليمية والدولية.
ويرى هؤلاء السياسيون أنّ الظروف السائدة الآن في المنطقة عادت تُحكِم الخناق على ملف الاستحقاق الرئاسي وتَجعل من رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون المرشّح الوحيد للرئاسة وتمنَع الجميعَ مِن البحث معه في خيارات أخرى، ولكنْ في حال تبَلورَت ظروف جديدة يصبح في الإمكان الدخول معه في نقاش حول أسماء مرشّحين آخرين، سواء أكان بينهم زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية أو غيره، علماً أنّ بعض المعنيين بالاستحقاق يؤكّدون أنّ التطورات والمعطيات المحيطة به ربّما تكون تخَطّت عون وفرنجية معاً إلى آفاق البحث عن رئيس توافقي، لا بدّ أن يتبلور في مرحلة لاحقة.
ويرى أحد السياسيين أنّ الجميع في لبنان والمنطقة يترقّبون الآن كيف سيتطوّر مآل الأوضاع في حلب، في ضوء حصار النظام لمنطقة الكاستيلو والذي صار أمراً واقعاً، بحيث إنّ الأحياءَ الشرقية لمدينة حلب التي تسيطر عليها المعارضة باتت محاصرةً، وفي ضوء نجاح النظام في تثبيت هذا الحصار، فإنّ السؤال المطروح يتمحوَر حول الخطوات التي سيُقدم عليها في المدى المنظور، خصوصاً أنّ انعكاس ما جرى في تركيا صار عنوانه «حلبيّاً».
وفي الموازاة فإنّ الجميع يترقّبون ماذا سيكون عليه موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ضوء الانقلاب الفاشل الأخير، فهل سيتحوّل بحكم الضرورة إلى الاهتمام بالشأن الداخلي التركي وما ترَكه الانقلاب عليه من تداعيات؟
أم أنّه سيذهب إلى خيارات جديدة، منها إعادة النظر في موقفه من الأزمة السورية، خصوصاً بعدما ثبتَ أنّ الروس زوَّدوه معلومات عن الانقلاب قبل ثلاثة أيام من حصوله، وأنّ المعطيات الثابتة لدى كثير من الجهات الدولية تؤكّد أنّ هذا الانقلاب هو «انقلاب غربي» بغَضّ النظر عن أسبابه الداخلية، وأنّ جهات إقليمية ودولية كثيرة كانت تراهن عليه.
ومِن المفارقات في هذا المجال أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يؤيّد الانقلاب، فيما المؤسسة الحاكمة في إسرائيل اتّخذت موقفاً معاكسا انسجَمت فيه مع الموقف الأميركي والغربي الذي كان يتمنّى نجاح الانقلاب نتيجة تنامي الشعور الغربي عموماً بأنّ أردوغان الذي لعبَ ورقة تنظيم «داعش» وأقنعَ الاميركيين والغربيين وحتى بعضَ دول المنطقة بـ»جدواها» لإطاحة النظام السوري وأنظمة أخرى في المنطقة، أوصَلهم إلى مكانٍ باتت «داعش» تهدّد أمنَهم مباشرةً ولم تحقّق الأهداف المرجوّة من حروبها في الإقليم.
وتأسيساً على ما أحدثه الانقلاب في تركيا، على رغم فشله، فإنّ الوضع التركي المستجد خلقَ وقائع جديدة، بحيث إنّ أردوغان إذا أقدمَ على خيارات جديدة، وهو في صَدد ذلك حسب بعض السياسيين، فإنّ ذلك سيؤدي إلى عملية خلطِ أوراق كبيرة إقليميا ودولياً، لن يكون لبنان في منأى عنها.
ويتوقّع هؤلاء السياسيون أن يمضي النظام السوري وحلفاؤه، مدعوماً بقرار روسي ـ إيراني في المعركة، لاستعادة حلب المدينة وأريافها لارتباطها بتركيا، إذ إنّ استعادتها ستكون حسماً استراتيجياً للمعركة مع سوريا، وستؤدّي إلى انهيار استراتيجي للقوى المعارضة للنظام في بقيّة الجهات لِما تمثّله حلب لها من رمز سياسي وعسكري ومعنوي.
ويسجّل المتابعون للوضع السوري أنّ الأميركيين الذين يدعمون الأكراد يشدّدون على ضرورة أن يسيطر هؤلاء على مدينة مِنبج، ولذا فإنّهم يمارسون تدميراً ممنهجاً، وذلك تمهيداً لتمكين الجانب الأميركي من التوجّه إلى الرقة ودير الزور معتمداً على قوات «سوريا الديموقراطية» وغيرها، في وقتٍ يَعتقد البعض أنّ ما يجري ليس بعيداً عمّا يُحكى عن تفاهم روسي ـ أميركي توصّلَ إليه الوزيران سيرغي لافروف وجون كيري، وإن كان بعض المتابعين يعتقدون أنّ هذا التفاهم لم يحصل لأنّ الأميركيين طرحوا أفكاراً في شأن سوريا تَقدَّمها اقتراحٌ بتنَحّي الرئيس السوري بشّار الأسد عن السلطة، ولكنّ الجانب الروسي رفضَها.
ويَعتبر هؤلاء أنّ أهمّ مؤشّر إلى حصول تحوُّل كبير في الموقف الدولي عموماً والأوروبي خصوصاً مِن الأزمة السورية هو أنّ الغرب الأوروبي بات مقتنعاً بالحاجة إلى بقاء الأسد على رأس القيادة السورية، خصوصاً بعد أحداث باريس ونيس وبروكسيل التي تثير مخاوفَ مِن حصول مثيل لها في مدن ودول أوروبّية أخرى بعدما طوَّر «الداعشيون» أعمالهم الإرهابية من الهجمات بالأسلحة الرشّاشة إلى عمليات الدهس، مثلما حصَل في نيس أخيراً، إذ إنّ مثلَ هذه العمليات يصعب ضبطها قبل حصولها، وهناك مخاوف أوروبية وغربية من تكرارها في أيّ وقت.