تميّزت بالحزم إدارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي معركة التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، وترافق ضغط الراعي مع نشاط «القوات اللبنانية» وتجاوب المعارضة. وساهمت هذه العوامل في إضفاء جوّ مسيحي ووطني في وجه محاولات رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل إسقاط قائد الجيش. وبعد إنتهاء معركة التمديد ستتركّز الأنظار على ما ستحمله المرحلة المقبلة من ضغط رئاسي. أدّى الموقف المتقدّم للجنة الخماسية المؤلفة من كل من الولايات المتحدة الأميركية والسعودية ومصر وقطر وفرنسا في توجيه رسالة قاسية الى معرقلي التمديد لقائد الجيش. وساعد هذا الموقف كلّاً من الراعي و»القوات اللبنانية» على تأمين بيئة حاضنة للتمديد وكل عناصر الضغط. ومخطئ من يعتبر أنّ معركة قيادة الجيش قد تكون منفصلة عن المعركة الرئاسية أو تركيبة النظام برّمته، والأكيد هو تسليط الإهتمام الدولي على لبنان.
وحصل البطريرك الراعي على تكليف ودعم غير معلن من اللجنة الخماسية، تمثّل بالموقف الذي نقله المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان عندما التقى الراعي، وتشديده على تأييد بلاده له في معركة التمديد لقائد الجيش والرئاسة. وتلت ذلك زيارة السفير السعودي وليد البخاري لبكركي عشية التمديد وإبلاغه دعم بلاده كل خطواته.
إذاً، إنتهت معركة قيادة الجيش واطمأن الراعي إلى حسن سير عمل المؤسسة، وأن أحداً لا يستطيع هزّها في الداخل أو في الخارج، وانتقل الإهتمام إلى رئاسة الجمهورية، التي تبدو الرؤية واضحة في بكركي حيالها. وتعترف أوساط في 8 آذار أنّ التمديد لعون أبقى اسمه من بين الأسماء المرشّحة رئاسياً، بل تقدّم على رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية بأشواط.
لا تريد بكركي الدخول في لعبة الأسماء الرئاسية المرشحة، لكنها تعلم أنّ خطوة التمديد أبقت اسم جوزاف عون في الساحة، وزادت القناعة بوجود شخص قادر على تأمين إجماع داخلي والحصول على أكبر نسبة دعم خارجي.
وتستند بكركي إلى طبيعة التصويت الذي شهده التمديد، وتضمّنت أصوات «القوات» والحلفاء المسيحيين، والأغلبية السنية الساحقة من كل الإتجاهات، والدروز عبر «اللقاء الديموقراطي» والشيعة عبر كتلة رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
ولا تنكر الكنيسة حلول اسم قائد الجيش كأول الأسماء المرشحة رئاسياً، لكن إنتخابه أو غيره يقع على عاتق مجلس النواب، وهذا لا يعني وضع بكركي «فيتو» على أي اسم، فاذا اجتمع مجلس النواب وفاز في الإنتخابات فرنجية أو الوزير السابق جهاد أزعور أو أي مرشح آخر فستبارك للفائز كائناً من كان.
تحاول بكركي وضع خطة عمل للضغط في ما خصّ الرئاسة، وتعمل للإستفادة من بعض الوعي الداخلي والإهتمام الخارجي. وفي السياق، ستتركّز خطة البطريرك على عدّة أمور، تتمثل بالضغط لعقد جلسة لإنتخاب الرئيس ومن بعدها عقد جلسات متتالية. وسيتمّ التواصل حسب المعلومات مع الرئيس برّي في هذا الشأن بعدما لبّى مطالب بكركي في التمديد. وفي حال عدم الإستجابة، سيلجأ البطريرك إلى تصعيد الموقف والضغط لتحديد موعد قريب للجلسة، وسيعيد التواصل مع الكتل المسيحية بشكل أساسي من أجل تأمين النصاب وعدم مقاطعة البعض. ويريد البطريرك إسقاط مقولة أنّ أزمة الرئاسة مارونية. وسيوسع «بيكار» مشاوراته لتشمل جميع الأطياف. ويستند الراعي إلى أرضية مسيحية مؤلفة من «القوات» والحلفاء ومن «التيار الوطني الحرّ» الذي يعد بعدم تعطيل النصاب.
يبقي الراعي التواصل مع «الخماسية» وتحديداً مع واشنطن، ويعرف أنّ المجتمع الدولي لا يمنح الأولوية للبنان، لكن بعد مسألة قائد الجيش هناك إهتمام لافت، سيحاول البطريرك «تقريشه» في الرئاسة، وستشهد بكركي في فترة الأعياد سلسلة زيارات سيستغلها من أجل إكمال الضغط الرئاسي.