مشكلة عون لم تكن في أنه قوي بل لأنه رهن قراره لـ”حزب الله”
عاش البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الفراغ الرئاسي الصعب في العام 2014، في حين أن سلفه البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير كانت له تجربة مريرة العام 1988 وأخرى بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود في خريف 2007.
لا يمكن للبطريرك أن يقود وحده معركة الرئاسة، فالساحة اللبنانية محكومة بتوازنات دقيقة خصوصاً وأن الوضع تبدّل ولا يمكن لفريق معين أن يفرض رأيه على الآخرين.
ويبدو أن البطريرك الراعي سيكون الأجرأ في المرحلة المقبلة من حيث الإصرار على المطالبة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فأجندة 2022 تختلف إختلافاً جذرياً عن 2014، ففي المرحلة السابقة كان الفراغ مخيفاً لكن الخطر كان يتركّز على فقدان مسيحيي الشرق موقعهم الأول في السلطة، أما اليوم فإن الفراغ سيؤدّي إلى اضمحلال الدولة اللبنانية وانهيار مؤسساتها بأكملها.
وإذا كانت نبرة الراعي تجاه الإستحقاق الرئاسي مرتفعة، إلا أن الأساس يبقى في العمل الفعلي على الأرض، وهذا الأمر يحصل بعيداً عن الإعلام من أجل تأمين ظروف نجاحه.
وترى البطريركية المارونية أن النقطة الأهم هي في قيام النواب بواجباتهم وانعقاد مجلس النواب بصورة دائمة من أجل النجاح بانتخاب رئيس لأن المقاطعة هي بحدّ ذاتها جريمة وطنية، فالبلد لا يحتمل الفراغ في الموقع الأول في الدولة في ظل حكومة تصريف أعمال.
ومن جهة ثانية، فإن بكركي تتعامل مع الإستحقاق الرئاسي بواقعية، فهي تدعو إلى التوافق وتأمين أكبر دعم للرئيس الجديد، لكن في حال فشل الوفاق على اسم واحد، فإن الحل يكون بالإنتخاب.
تطرح البطريركية عدّة مبادئ ومواصفات يجب على الرئيس الجديد التحلي بها، ومن بين تلك المواصفات أن يكون خارج الاصطفافات ولا يتبع لأي محور وسيادياً بالدرجة الأولى وإصلاحياً في الوقت نفسه، فلا نفع للإصلاح في ظلّ فقدان الدولة لهيبتها، في حين أن المواقف السيادية لا تكفي لوحدها، وبالتالي فإن على الرئيس الجديد أن يعيد للدولة هيبتها ويلتزم البرنامج الإصلاحي ويباشر بمحاربة الفساد وحلّ الأزمات المعيشية، ووقف مسلسل الإنهيار والإلتزام بالحياد وإعادة وصل علاقات لبنان بمحيطه وكل دول العالم.
وأمام الواقع الحالي، فإن البطريرك حذر جداً ولن يطرح أسماء رئاسية لأن طرحها قبل موعدها يعني حرقها، في حين أن المهم يبقى في تسليط الضوء على أهمية إجراء الإستحقاق الرئاسي في موعده وعدم التهاون مع الفراغ.
وإذا كان البعض فسّر كلام الراعي المنادي بضرورة انتخاب رئيس جمهورية «فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب» هو ضرب لفكرة الرئيس القوي التي كان راعيها، أي إنه يريد رئيساً خارج نادي الموارنة الأقوياء كما حصل عام 2016، إلا أن الحقيقة هي في مكان آخر، فالبطريرك لا يمانع في وصول رئيس سيادي وقوي يعمل على تأمين الحياد لكنه متوجّس من استمرار الستاتيكو القائم.
وفي التفاصيل، ان البلاد مقسومة منذ العام 2005 بين فريقي 8 و14 آذار، ومن يطرح نفسه مرشحاً للرئاسة هم موارنة 8 آذار، أي رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، في حين أن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لن يترشّح مع أنه يملك أكبر كتلة برلمانية مسيحية، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية الفرقاء المحسوبين على مسيحيي 14 آذار.
وقد استبق البطريرك الأمور وطالب برئيس من خارج الإصطفافات وذلك لقطع الطريق أمام وصول أي مرشح من مسيحيي 8 آذار، لأن انتخاب باسيل أو فرنجية يعني إاستكمال سيطرة «حزب الله» ومحور «الممانعة» على الدولة ومنح «الحزب» الغطاء المسيحي وإبقاء قبضته على الموقع الأول في الدولة، لذلك فان الراعي لا يستطيع القول «إنني ضد وصول فرنجية أو باسيل أو أي مسيحي يغطي حزب الله»، لذلك تكلم بالعموميات وشمل الجميع بعدما أخرج جعجع نفسه من السباق الرئاسي، وبالتالي فان البطريرك لا يريد تكرار تجربة إنتخابات رئيس مجلس النواب ونائبه والفوز بـ65 صوتاً خصوصاً أن «حزب الله» قادر على تأمين أكثرية ظرفية لأي مرشّح يطرحه.
ومن جهة ثانية، فإن بكركي التي تعتبر نفسها حارسة لبنان الكيان لن تسمح بالإستمرار بضرب أسس الدولة والإمعان في سيطرة «الدويلة» وتغيير هوية لبنان وأخذه إلى مكان غريب عن تاريخه وحضارته، لذلك فإن الرئيس المقبل في نظر بكركي يجب أن يبدأ مشوار الإصلاح ويعيد البلد إلى سابق عهده، لا أن يشكّل إستكمالاً لعهد الإنهيار وأخذ لبنان إلى محور «الممانعة»، من هنا فان سهام الراعي أسقطت فكرة الرئيس «الممانع» لا الرئيس «القوي» لأن المشكلة في عهد الرئيس ميشال عون لم تكن لأنه قوي في طائفته، بل لأنه غطّى «الدويلة» ورهن قرارها لـ»حزب الله» والمحور السوري- الإيراني ما تسبّب بعزل لبنان عن العالم العربي والغربي ولم يباشر بالإصلاحات كما وعد.