بدأت المعركة الرئاسية تأخذ أبعادها الداخلية والخارجية، ومع اقتراب موعد إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، فإن كل فريق يحاول إستجماع قواه للتأثير على السنوات الست المقبلة.
من المؤكد أن سيناريو 2016 لن يتكرّر في هذه المرحلة لأسباب عدّة أبرزها عدم رغبة الفريق المعارض بالدخول في تسوية رئاسية تُتيح لمحور «الممانعة» إمساك البلد مجدداً، إضافةً إلى أن التوازنات الخارجية مغايرة تماماً لمرحلة 2016.
وإذا كانت كلمة السرّ الخارجية المتعلّقة بالإستحقاق الرئاسي لم تصل بعد، إلا أن التكهنات بشأن موقف الدول الفاعلة بالملف اللبناني وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وإيران ستزداد، لكن كل قوة تحتفظ بموقفها لساعة الحسم.
هذا بالنسبة إلى الخارج، أما داخلياً فإن الصورة مختلفة تماماً، فبعد إجراء إنتخابات رئيس مجلس النواب ونائبه ظنّ الجميع أن «حزب الله» أعاد إمساك البلد وباستطاعته أن يوصل الرئيس الذي يريد بالنصف زائداً واحداً، واستكمل ذلك برفض عدد من القوى المعارضة التحدّث مع «القوات اللبنانية» التي تملك أكبر كتلة نيابية وسط تشرذم واضح لهذه القوى، وأتت حركة رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط في اتجاه «الحزب» كدليل إضافي على قبضة الأخير مجدداً على مفاصل الحياة السياسية.
لكن «القوات اللبنانية» استوعبت الصدمة، فالصراع الذي كان دائراً منذ 2005 هو بين 8 و14 آذار، وكان «حزب الله» وحركة «أمل» و»التيار الوطني الحرّ» أبرز أعمدة 8 آذار، في حين شكّل الثلاثي المتمثل بـ»المستقبل» و»القوات» و»الإشتراكي» العمود الفقري لـ14 آذار، لكن بعد خروج الرئيس سعد الحريري من اللعبة السياسية ومهادنة جنبلاط باتت المواجهة مفتوحة بين مشروعين، الأول بقيادة «حزب الله» ويشكّل امتداداً لـ8 آذار والثاني تشكّل «القوات» أبرز ركائزه وهو امتداد لحلم 14 آذار ومطالب إنتفاضة 17 تشرين.
من هنا، لم تقف «القوات» متفرجةً أمام كل ما يحصل، ولم يهادن رئيسها الدكتور سمير جعجع، ووجّه سهامه إلى الأقربين والمعارضين قبل الخصوم والأبعدين، وحاول حشر المعارضة معتبراً أن الناس إنتخبت المعارضة ليس من أجل الإستعراض بل لتحقيق التغيير المنشود، والتغيير يتطلّب حداً أدنى من التنسيق بين جميع المكونات المعارضة، وإلا ستنجح السلطة في السيطرة على رئاسة الجمهورية والحكم مجدداً.
لم تكن خطوة جعجع لتنجح لو كان همه الترشّح لرئاسة الجمهورية أو الدخول إلى السلطة وحصد المراكز، وبالفعل فقد بدأ حوار بين مكونات المعارضة الأخرى غير «القوات» مثل «الكتائب» وحركة «الإستقلال» والنائب أشرف ريفي ومجموعة النواب الـ13 التغييريين وبعض النواب المستقلين، وعندما سيصلون إلى اتفاق سيتمّ التنسيق مع «القوات اللبنانية»، لأن هذه القوى وحدها غير قادرة على فعل شيء من دون «القوات»، حتى إنها لا تملك الثلث المعطّل لفرض شروطها.
وإذا تمّ الإتفاق على السيناريو المفروض التعاطي به مع الإستحقاق الرئاسي، فإن الإتفاق على مواصفات واسم مرشّح رئاسي لن يكون بعيد المنال، في حين أن الأمنيات كانت بانتخاب رئيس سيادي وإصلاحي بامتياز.
لا تعمل القوى المعارضة على طريقة 8 آذار، فهناك يوجد مايسترو واحد هو «حزب الله»، أما على الجبهة المعارضة، فإن الرهان كبير على «القوات» لتشكّل أساس عمل المعارضة وتنجح بطريقة إدارة المعركة بعيداً عن شعبوية بعض المعارضين، فالمرحلة لا تتطلّب شعبوية وشعارات غير قابلة للتحقيق، بل التنسيق من أجل عدم التمديد لجهنم 6 سنوات جديدة.