لم يستطع ترشيح «القوات» للعماد عون أن يفتح الأبواب المغلقة، أو أن يسحب التوافق بين الفريقين المسيحيين الأقوى إلى سائر القوى المسيحية أولاً والوطنية ثانياً، وذلك لأسباب كثيرة تعود أهمها إلى الالتباسات المستمرة لمواقف التيار في مختلف القضايا، مما أثار حفيظة الحلفاء قبل الخصوم.
فالتوافق المسيحي الذي كرّس في معراب لما كان مطلباً وطنياً، كون التشتت والخلافات بين هذا الفريق عطّلا الاستحقاق الرئاسي، وضيّعا الشركاء في الوطن أيضاً. ولكن وفي الوقت عينه، لا يمكن أن يؤدي هذا التوافق إلى إلغاء القوى الأخرى المسيحية والوطنية، أو أن يُشكّل أمراً واقعاً على الجميع الالتزام به، شرط أن تخرج العملية الانتخابية، من كادر المنافسة الديمقراطية الصحيّة الى الاتفاق على رئيس واقتصار جلسة مجلس النواب للانتخاب على كونها فولكلوراً شكليّاً لا أكثر!
أما الأسباب المباشرة لفقدان الثقة بأداء الجنرال الرئاسي فهي عديدة، أهمها غياب البرنامج السياسي الواضح، والمواقف الثابتة، والرؤية العلنية للسياسات التي ينوي تبنيها، داخلياً وخارجياً، خاصة أن المرحلة الأخيرة كانت تتسم بالكيدية والمصالح الشخصية، آخرها فاتورة الرئاسة التي سددها الوزير باسيل لإيران من حساب العلاقات اللبنانية الاستراتيجية الإقليمية وامتداده العربي الطبيعي، عبر إخراجه من هذا الإجماع في سابقة مستهجنة، باتت تُهدّد، الى جانب مصالح الوطن الاقتصادية، مصير جالية لبنانية كبيرة، عانت ما عانته من تحديات الاغتراب، لتؤمّن لقمة عيشها وتعيل عائلاتها الصامدة في لبنان، وهي اليوم مهددة بأن تدفع ثمن مواقف وزير الخارجية التي تخدم مصلحة تياره لا غير!
أما مصير الديمقراطية فهو نحو المجهول، في حزب فشل في تطبيق أصولها المبدئية في انتخاباته الداخلية، حيث تمّ إقصاء الكوادر، واستبدالها بما هو أشبه بالتزكيات القائمة على الوراثة السياسية لا غير!
والحديث عن الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد وبناء دولة المؤسسات، ليس بأفضل حال بعد تاريخ حافل لوزارات التيار الخدماتية، التي فاحت منها روائح الصفقات، من دون أن تحرز أي تحسن في مستوى الأداء، وتعطيل عجلة إدارات الدولة في التعيينات في حال فشل التيار في فرض أسماء مرشحيه، المبنية على المحسوبيات والانتماءات الحزبية.
من ناحية أخرى، هل تشكّل المواقف التي أطلقها الوزير باسيل والتي رمى لبنان من خلالها في الحضن الإيراني ضمانة كافية لحزب الله حول التزامه بتغطية سلاح هذا الأخير وتدخله في سوريا، وعدم خروجه من خط الممانعة بغض النظر عن الاتفاق الذي عقده مع «القوات»؟
وفي هذه الحال، ما هي ضمانات الحكيم التي قدمها العماد عون للالتزام بدعم الجيش، وصون الحدود وتعزيز السلاح الشرعي ولا سلاح غيره؟
والأساس، أين هم اللبنانيون، مجرّدين من 8 و14، من مشروع العماد الرئاسي وكيف ينوي تحقيق دولة المؤسسات في ظل عقلية التحالفات الضيّقة، والمحاصصات الفئوية؟
وما هي ضمانات الشعب المطالب برئيس لكل اللبنانيين، متحرّر من تحالفاته وأجندته الخاصة، بعيداً عن الالتزام بحاشيته وأزلامه؟