IMLebanon

ماذا يريد “الحزب” من المرشح للرئاسة؟

أُعطي الاجتماع الأخير بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» تفسيرات مضخّمة بإيجابياتها، تماماً كما يعطى الخلاف بين الطرفين تفسيرات تفوق الواقع بسلبياتها. فالأمور متوترة، لكنها مضبوطة بينهما، إذ لا مصلحة لأيّ منهما في قطع آخر الجسور: لا مكان ينتقل إليه باسيل إذا غادر «حزب الله»، ولا شريك مسيحياً يكفي لتغطية «الحزب» خارج «التيار». إذاً، إلى أين تتجه الأزمة بين الطرفين؟

يسأل كثيرون: مَن هو مرشح «الحزب» الحقيقي للرئاسة، وهل هو فعلاً رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل إن «الحزب» يفضّله على باسيل بسبب مآخذ سياسية عليه، أم فقط لأنّ «الدور» الآن هو لفرنجية، بناء على الوعد المقطوع له في العام 2016؟

 

وهل صحيح أنّ «الحزب» يتعاطى مع فرنجية وباسيل باعتبارهما متساويين في الحصول على ثقته، لكنه يرجّح كفة فرنجية لأن «تسويق» ترشيحه داخلياً وعربياً ودولياً أسهل، فيما يبدو صعباً جداً إيجاد إجماع حول باسيل؟ وتالياً، في لحظة معينة، إذا تمكّن باسيل من ترميم علاقاته وصورته والحصول على الدعم الكافي، داخلياً وخارجياً، فهل يمكن أن يعدل «الحزب» عن دعم فرنجية ويعلن تأييد باسيل، أم إنّ عليه مآخذ تحول دون ذلك، وما هي هذه المآخذ؟

 

في أوساط «التيار الوطني الحر»، الفكرة الثابتة هي أن «الحزب» «جرَّب» التعاطي مع قيادة «التيار»، خارج رئاسة الجمهورية ثم خلال تولّي الرئيس ميشال عون للرئاسة، وفي الحالين كان التنسيق تاماً، ولم يحصل أي سوء تفاهم بين الطرفين حول أي مسألة، ولا حتى في الأمور التفصيلية.

 

ويقال في أوساط «التيار» إنه قدّم إلى «الحزب» تغطية مسيحية ووطنية غير محدودة، ومن دون التفكير بالحسابات والعواقب السياسية، فيما كان «الحزب» يتعرّض لأشرس الحملات الداخلية والعقوبات الخارجية. فوضع «التيار» نفسه في الواجهة، وكلَّفه ذلك حملات شرسة شُنَّت على باسيل شخصياً في انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 وعقوباتٍ دولية، فيما الحلفاء الآخرون، من كل الطوائف، فضّلوا الحفاظ على «خطوط الرجعة».

 

في المقابل، يذكِّر «الحزب» بأنه لم يقصّر أبداً في ردّ الجميل. فهو أيضاً تحمَّل الانتقادات بسبب دعمه المطلق لـ»التيار» في السلطة. ونتيجة لهذا الدعم غير المحدود، حصل «التيار» طوال 6 سنوات على مكاسب وافية في السلطة، وتوافرت له الحماية من الحملات. فـ«التيار» لم يكن ليبلغ هذه القوة لولا دعم «الحزب». وحتى فرنجية نأى بنفسه عن أي حملة على العهد.

 

وهناك مَن يقول إن ثقة «الحزب» في فرنجية قديمة وراسخة، وقبل الثقة في باسيل. ولكن في الأوساط اللصيقة بـ«التيار»، هناك مَن يقول إن رئيس «التيار» يضع أوراقه كلها في أيدي «حزب الله»، فيما أوراق فرنجية موزّعة بين «الحزب» ودمشق. لكن «الحزب» يحرص على عدم الدخول في هذا النوع من المفاضلة، لأنه لا يعتبر نفسه في أي لحظة خارج التحالف الوثيق مع دمشق.

 

إذاً، ما هي الخطة الحقيقية التي يعتمدها «الحزب» في تعاطيه مع ملف الرئاسة؟ وهل يصرّ على دعم فرنجية ولو أدى ذلك إلى انفجار الخلاف على مداه مع باسيل؟

 

على الأرجح، هناك ثوابت سيتمسّك بها «الحزب»، وأبرزها ألا يكون الملف الرئاسي سبباً في خسارته أيّاً من حليفيه المارونيين، ولا سيما باسيل الذي يقود تياراً واسع التمثيل مسيحياً. فعلى الأقل، يحرص «الحزب» على أن يكون لباسيل دور وازن كناخب أساسي، إذا لم يكن هو المرشح المدعوم. ولكن، أي ثمن يكفي باسيل ليعلن دعمه لفرنجية؟

 

وإلاّ، هل يخرج «حزب الله» من الحليفين اللصيقين إلى المرشح التوافقي أو الوسطي؟

 

الأرجح أن «الحزب» لن يستعجل حسم المسألة لأن الظروف الحالية لا تتكفّل بإنضاج الطبخة، لا داخلياً ولا خارجياً، فلماذا يُحرق أصابعه باختيار لم يحن وقته؟

 

يعرف «الحزب» أن طبخة الرئاسة تحتاج إلى حافز خارجي يوفّر لها التغطية، وهذا الحافز لا يلوح في الأفق. ولذلك، هو لا يمانع في استجرار الوقت بالحد الأدنى من الهدوء والمداراة مع الحلفاء والخصوم، خصوصاً أن في الأفق ملامح توترات سياسية هائلة، يُخشى أن تقود البلد إلى مكان يصعب تقديره.

 

ما يريده «الحزب» هو أن يكون الرئيس المقبل للجمهورية حليفاً لصيقاً به، وأن يترجم التوازنات السياسية التي يعمل لتثبيتها على مستوى البلد. ولذلك، هو سيتأنّى في اختيار مرشحه الحقيقي لرئاسة الجمهورية، في خضم الكثير من المناورات. وسيترك لظروف التسوية أن تتكفل بالحسم، في نهاية التطورات الصاخبة الجارية أو المرتقبة.