Site icon IMLebanon

الرئيس “الطائفي” بالتوافق أو التنافس لا بالفَرض أو الرفض

 

 

 

تستغرب الأوساط المهتمة بالاستحقاق الرئاسي تعاطي البعض معه وكأنه يخصّ طائفة او فئة او مجموعة سياسية بعينها، فيما هو استحقاق وطني يعني جميع المكونات اللبنانية بكل تلاوينها وانتماءاتها الطائفية والسياسية، ويستدعي تعاون الجميع على انجازه توافقياً او تنافسياً بإيصال من يقدر على قيادة سفينة الخلاص من الأزمة المستفحلة.

ترى هذه الاوساط انّ الاستحقاق الرئاسي هو استحقاق دستوري ديموقراطي يفترض ان يتنافس فيه اكثر من مرشح لرئاسة الجمهورية، ففي حال تعذّر التوافق على مرشح انسجاماً مع روحية اتفاق الطائف التوافقية تُخاض هذه العملية تنافسياً، وبالتالي لا داعي لكل هذا التصعيد السياسي ذي المضمون الشعبوي الدائر الذي لن يخدم المصعّدين في شيء ملموس في النهاية.

 

وفي هذا السياق، تقول الاوساط نفسها ان بعض القوى السياسية المسيحية وخصوصاً «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» و»حزب الكتائب» وسواها، يخطئون عندما يقولون ان الفريق الآخر يفرض عليهم مرشحاً او رئيساً وذلك في معرض معارضتهم ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الذي يدعمه الثنائي الشيعي مع حلفائه إضافة الى كتل ونواب آخرين. لأنه مثلما يحق لهذه القوى المسيحية ان ترشّح من تريد لرئاسة الجمهورية يحق لغيرها ان يرشح ايضاً لأنّ منصب رئاسة الجمهورية هو موقع وطني لا طائفي، مثله مثل بقية المواقع الدستورية بل انه يتقدّم عليها في انه يشكّل رأس الدولة ورمز وحدة الوطن، حسبما ينص الدستور. ولذلك، فإن رئيس الجمهورية يفترض ان يختاره التنوع الوطني لا الطائفي، وإن كانت رئاسة الجمهورية تُسند عرفاً الى الطائفة المارونية أسوة بالعرف الذي يسند رئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية ورئاسة الحكومة للطائفة السنية كتوازن طائفي في السلطة تم التوافق عليه منذ الجمهورية الاولى عام 1943 وحتى اليوم، الى درجة ان هذه الاعراف تمّت مراعاتها عند صوغ واقرار اتفاق الطائف عام 1989 الذي انطلقت به الجمهورية الثانية.

وترى هذه الاوساط انّ الدستور والنظام الديموقراطي البرلماني لا يعطي الحق لأي جهة لاحتكار الترشيح لرئاسة الجمهورية ورفض ترشيحات الآخرين. وفي هذه الحال لا يحق دستورياً وحتى سياسياً للمعارضة ومعها «التيار الوطني الحر» ان يعلنا رفضهما ترشيح فرنجية، وإنما عليهما احترامه وان يرشحا من ينافسه طالما انهما لا يؤيدانه، فالمسألة هنا ليست مسألة إلغاء وانما هي مسألة انتخاب. فالثنائي الشيعي مع حلفائه أعلنوا دعمهم ترشيح فرنجية، فإذا كان الآخرون يعارضونه، فإنّ لهم في المقابل الحق ديموقراطياً ان يرشحوا من يريدون لمنافسته وعندها ينزل الجميع الى جلسة الانتخاب وليَفُز عندها من ينال الاكثرية النيابية، سواء كانت مطلقة او موصوفة او مرموقة.

 

وتشير الاوساط في هذا السياق الى انّ تذرّع البعض بموضوع انتخاب رئيس مجلس النواب نبيه بري والقول ان الطائفة الشيعية قد فرضته في وجه الآخرين، ويحق غيرها من الطوائف ان تحذو حذوها، هو تذرع يجافي الواقع، ففي نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة جاءت حصة الطائفة الشيعية من المقاعد النيابية البالغة 27 نائباً فاز بها ثنائي «حزب الله» وحركة «امل»، ولم يَفز اي نائب شيعي مستقل او منتَمٍ الى اي حزب في أي دائرة. ولذلك لم يكن هناك من منافس لبري في انتخابات رئاسة مجلس النواب في بداية ولاية المجلس، طالما ان العرف يقضي بأنّ هذه الرئاسة هي للطائفة الشيعية. اما رئاسة الحكومة المناطة عرفاً بالطائفة السنية، فإنها تخضع للاستشارات النيابية الملزمة عند اختيار الشخصية التي يتم تكليفها لتشكيل الحكومة. وطبعاً فإن النواب الذين يسمّون هذه الشخصية من بين مجموعة اسماء احيانا ينتمون الى كل الطوائف والكتل النيابية والسياسية. كل هذا يدل الى ان الرئاسات الثلاث يختارها التنوع الوطني في العلمية الانتخابية التي يحق لأي جهة المشاركة فيها من عدمها.

ولذلك، ترى الاوساط نفسها أنه لا تصح المقارنة في هذه الحال بين انتخاب رئيس الجمهورية وانتخاب كلّ من رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة الذي تعد الاستشارات لتسميته بمثابة عملية انتخابية. وتؤكد هذه الاوساط انّ الدستور لا يعطي الحق لأيّ كان ان يرفض اي ترشيح رئاسي وانما يعطيه الحق بمنافسة هذا الترشيح ديموقراطياً، لأنّ الرفض هو بمثابة إلغاء بل يعبّر عن ثقافة إلغائية كثيراً ما عانى منها لبنان قبل اتفاق الطائف وبعده عند تكوين السلطات وممارستها لصلاحياتها، فالطائف قال اولاً بالتوافق على رئيس واذا تعذّر التوافق يتم الذهاب الى التصويت، اي الى التنافس الديموقراطي، حتى انه في ممارسة السلطات الدستورية مهماتها وخصوصاً السلطة التنفيذية (اي مجلس الوزراء) يتم دستورياً اعتماد التوافق في اتخاذ القرارات العادية وعندما يتعذّر التوافق تُتخَذ بموافقة الأكثرية الوزارية العادية، امّا القرارات المصيرية كحل مجلس النواب والموازنة واعلان حال الطوارئ فهي لا تقرّ الا بموافقة اكثرية ثلثي اعضاء الحكومة.

 

والآن في معرض الانتخابات الرئاسية، فإنه ثابت حتى اللحظة انّ امكانية التوافق على رئيس يقبل به الجميع ما تزال غير مُتاحة، ما يفرض ان تُجرى هذه العملية الدستورية بتنافس بين مرشحين او اكثر في جلسة يَتوافر لها نصاب اكثرية الثلثين في دورتيها الاولى والثانية ويفوز فيها من ينال الاكثرية المطلقة اي 65 صوتاً او اكثر، فعلامَ كل هذه الجلبة، تسأل الاوساط نفسها؟ ولماذا يتم التعاطي أحياناً مع الاستحقاق الرئاسي بعصبية طائفية، مع العلم ان المرشحين لرئاسة الجمهورية هم من لون طائفي واحد ويتنافسون على موقع الرئاسة المُناط عرفاً بطائفتهم ولا من منازع لها عليه. واذا كل منهم ترشحه هذه الفئة المتنوعة او تلك فذلك حق دستوري ديموقراطي لها يَكفله الدستور ولا يمكن لأحد ان يمنعه او يلغيه.

تختم الاوساط بأنّ على القوى السياسية، لا سيما المعارضة منها، التزام اتفاق الطائف والدستور في الانتخابات الرئاسية فعامل الوقت بدأ يضيق وهامش المناورة ايضاً، فليتم انتخاب رئيس بالتوافق او بالتنافس لأنه في حال لم يحصل هذا الامر قريباً واندفعَ البعض الى المطالبة بمؤتمر حوار برعاية عربية او دولية معوّلاً على ان يؤدي الى تغيير الخيارات والترشيحات الرئاسية المطروحة، فلا أحد يضمن انعقاد مثل هذا المؤتمر، ولا احد يمنع من ذهاب البلاد الى مزيد من الفراغ، ما قد يفتح الباب لانعقاد مؤتمر تأسيسي يُعيد النظر في النظام برمّته، بحسب هذه الاوساط.