IMLebanon

التسوية الرئاسية باقية: القوات والكتائب عاجزان عن قلب المشهد

 

تُحاول السعودية لملمة أطراف ثوبها في لبنان، عبر أدوات مُنتهية الصلاحية، وبـ«بازل» تنقصه أهمّ قطعة: التحاق تيار المستقبل بهذه الجوقة. فرئيس الحكومة سعد الحريري لا يزال مُصرّاً على تغليب الهدوء الداخلي على «الجنون» السعودي

الأصوات من حول رئيس الحكومة سعد الحريري، لا سيّما من قبل من تُطلق عليهم تسمية الصقور، ارتفعت كثيراً في الأيام الماضية، لتُطالبه بضرورة اتخاذ مواقف «أكثر حزماً» تجاه «الإحراج» الذي يُسبّبه له فريق الثامن من آذار والتيار الوطني الحر (التنسيق مع الحكومة السوريّة، الزيارات الوزارية إلى سوريا، ولقاء الوزيرين جبران باسيل ووليد المعلم).

انتقد هؤلاء الطريقة التي تُدار بها التسوية الرئاسيّة، وظهور رئيس تيّارهم «خاسراً في اللعبة». الكلام تزامن مع «استدعاء» المملكة العربية السعودية لكلّ من رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، فأتت نصيحة قسمٍ من المستقبليين للحريري بـ«الاعتكاف على الأقل». وحتى لو تطور الأمر إلى حدّ الاستقالة، «من الصعوبة إيجاد شخصية سنيّة تقبل برئاسة الحكومة في ظلّ الوضع المُتشنج»، فيتمكن الحريري عندئذٍ «من تحسين شروطه».

لا يُحسد رئيس الحكومة على الوضع الذي حُشر فيه. جُزءٌ من تصعيد المحيطين به لمواقفهم يعود إلى أنّ «حزب الله والتيار الوطني الحر لا يرحمانه. ما المصلحة في أن يصل الحريري ضعيفاً إلى الانتخابات النيابية؟»، تسأل المصادر المُطّلعة على هذه الأجواء. حتّى إنّ «الصقور» بدأوا يُنبّهون الحريري إلى أنّه صحيح أنّ الرئيس ميشال عون قدّم له ضمانة قبل إتمام التسوية بأنّ حزب الله يقبل به رئيساً للحكومة، والاتفاق بين الوزير جبران باسيل ونادر الحريري يتضمن «التزاماً بأن يكون الحريري رئيساً للحكومة كلّ فترة عهد عون»، إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ «حزب الله في حال لم يحصل تيار المستقبل على أكثرية نيابية، أو بسبب واقع سياسي مُعيّن، قد يوافق من جديد على تسمية الحريري». الضغوطات المُمارسة على الأخير، من داخل فريقه، تريد دفعه إلى الدخول في «همروجة» التصعيد السعودية، غير آبهة بأنّ ذلك يعني ارتفاع درجة التوتر داخل السلطة، وتكرار سنياريو تعطيل الحكومة زمن تمام سلام، وتعميق الخلاف بين عون وباسيل من جهة، والحريري من جهة أخرى. ولكن، لا يبدو أنّ نصائح «الصقور» تلقى آذاناً صاغية لدى رئيس الحكومة. فبحسب المعلومات، يرفض الحريري، حتى اللحظة، الانجرار خلف المحور الإقليمي الذي ينتمي إليه، وشكّل في يومٍ من الأيام رأس حربته في لبنان. وخلال لقاء الحريري بالوزير السعودي ثامر السبهان في آب الماضي، «لم يصدر عن الأول أي ردّ فعل، لا سلبي ولا إيجابي». على العكس من ذلك، كان اللقاء بين نادر الحريري والسبهان «متوتراً، تماماً كما الاجتماع الذي جمع نادر بالدبلوماسي السعودي وليد اليعقوبي، الذي أعدّ لزيارة السبهان».

شروط التسوية الرئاسية لا تزال قائمة بالنسبة إلى الحريري الذي يرى أنّ «أياً من الأفرقاء لم يتجاوز الخطوط الحُمر بعد، أو ما اتُّفق عليه قبل التسوية الرئاسية، كزيارة عون لسوريا مثلاً». وحين يكون هناك تناقض في بعض الأمور، «بإمكانه التعبير عن ذلك بموقف من دون التصعيد، كما فعل بعد جلسة مجلس الوزراء أمس، حين أعلن أنّه غير مستعد للتعامل مع النظام السوري».

لا يريد الحريري إطاحة التسوية التي أعادته إلى السراي الحكومي، «وفي الوقت نفسه لن يُزعجه أن يكون هناك سياسيون يُعبّرون عن الموقف المُتشدد، فيتحقق التوازن من دون أن يتورط شخصياً». لقاء حليفَي الحريري، في 14 آذار سابقاً، بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، «لم يُزعجه». يتسلح بأنّ السعودية، خلال استقبالها الجميّل وجعجع، «لم تطلب شيئاً بعد، ولم تتحدّت عن إعادة تشكيل جبهة 14 آذار، بل ركزّت بشكل أساسي على السؤال عن علاقة الحريري برئيس الجمهورية». يتوافق ذلك مع ما قالته شخصية التقت الوزير السعودي ثامر السبهان خلال زيارته الأخيرة لبيروت، بأنّ «المملكة تُدرك أنّ الوسائل القديمة للمواجهة لم تعد موجودة، بل ستُحاول استنهاض الشارع السنّي، ثم الانتقال منه لخلق حالة وطنية».

سفر الجميّل وجعجع إلى السعودية كان نتيجة التقرير الذي رفعه السبهان إلى قيادته بعد زيارته للبنان. ولكن بالنسبة إلى المصادر المُتابعة، لن تتمكن السعودية من تحقيق أي نتيجة مرجوّة من زيارات الحجّ هذه؛ ففي أيار الماضي، حاول السعوديون «حثّ الآذاريين على تعزيز وجودهم قبل الانتخابات النيابية، ومُساعدة الحريري على الوقوف في وجه المحور الآخر، من دون أن ينجحوا في ذلك». وحالياً، «القوات اللبنانية والقوى الأخرى أوهن من أن يُؤثروا في المشهد السياسي العام، لا عبر السقف المرتفع، ولا بالمال الانتخابي، ولا بتشكيل أكثرية نيابية». وبالنسبة إلى العقوبات الأميركية التي تهدف إلى تضييق الخناق على حزب الله، فستنعكس سلباً على المواطنين من مختلف الطوائف، لارتباط مصالح اللبنانيين الاقتصادية بعضها ببعض. انطلاقاً من هنا، تُقلّل المصادر من أهمية ما تقوم به السعودية التي وجّهت «ضربة شكلية» إلى جعجع، حين «ساوت» بينه وبين الجميّل، وبين الشخصيات الأخرى التي ستصل إلى الرياض.

في لبنان أيضاً، سمع السبهان «من نقاشه مع شخصيات سنّية» سوء تقديره للحسابات الداخلية. فبحسب المصادر، «أُخبر أنّ استيعاب الجوّ الشيعي لا يتم عبر استعداء (رئيس مجلس النواب) نبيه برّي». وحتى بالنسبة إلى عون الذي تدهورت علاقته بالسعودية قبل فترة، «لم يكن يجب أن يُكمل السبهان بقطع الخيوط معه»؛ فالأحزاب والمستقلون في 14 آذار «هم أصلاً من عدّة الشغل، ولكن كيف سيفيدون في تنفيذ السياسة السعودية؟ كان يجب استقطاب عون وبرّي»، قيل للسبهان. ومن المتوقع أن يعود الوزير السعودي إلى لبنان في غضون أسبوعين، بعد أن أجرى سابقاً عملية مسحٍ لـ«الأرض المعادية»، ولم تكن قد تبلورت بعد أيّ رؤية سعودية للتعامل مع لبنان.