ظاهرة “القلق الرئاسي” لم تعد وقفاً على المرجعيات والقيادات السياسية، إنما تعدّتها بأشواط لتحل ضيفة ثقيلة الظل على الاوساط الشعبيّة. لم تعد أحاديث الناس العاديين محصورة بلقمة العيش وحبّة الدواء والظروف الصعبة، بل أصبح الفراغ الرئاسي مادة أساسية.
ودائما يواجهنا سؤال محرج حول الصمت الدولي، والغياب العربي، والتهرّب اللبناني، إزاء هذا الوضع الشاذ الذي ترتسم حوله ألف علامة استفهام وتعجّب.
لمست هذا الواقع لمس اليد والأذن والعين، وأدركت للمرة الأولى ان الازمة الرئاسية تتخذ في بعض المناطق ولدى بعض الفئات أبعاداً شتى.
وعلى سبيل المثال، تسمع سائلا يطلب أن يجيبه “المسؤولون” عنه حالاً وسريعاً، وهو يتناول الأسباب والجهات التي تحول منذ تسعة أشهر الى الساعة دون انتخاب رئيس للجمهورية. وما هو دور ايران الفعلي في التعطيل والتأجيل؟
الى أن يأتيك مَنْ يعلن بصوت جَهْوري أن لا رئيس بعد اليوم. واذا تمّت “الصفقة” فان أمورا كثيرة في لبنان سيشملها التغيير، ورئاسة الجمهورية من أبرزها.
ليس هذا كل شيء. فالفراغ الرئاسي تحوّل همّاً حقيقياً وشبه شامل بالنسبة الى ألوف مؤلّفة من اللبنانيين، الذين لا يخسر عليهم مسؤول أو مرجع كلمة بهذا الخصوص تطمئنهم او توضح لهم قصة إبريق الزيت الرئاسي. من طقطق للسلام عليكم.
واذا ما قيل لهم إن الموضوع الرئاسي في لبنان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاتفاق النووي الايراني مع أميركا ودول الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الانتخابات الاسرائيلية ومصير بنيامين نتنياهو ومتطرفيه، يأتيك الجواب “وما دَخْل الرئاسة اللبنانية بطموحات طهران ووضع نتنياهو” وأميركا وأوروبا والصين وتايوان…
ثم يأتي دور “الشرق الاوسط” الجديد الذي يهيّئونه الآن ليحلّ محلّ الشرق الاوسط القديم الذي نسجه اتفاق “سايكس – بيكو”.
وما يحصل في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر، يندرج بالنسبة الى هؤلاء في خانة “الشرق الاوسط الجديد”. أو في سبيله، أو تمهيدا له. وعلى حساب لبنان، والرئاسة، والصيغة، والمواثيق و…
القصة صارت على ثلاثة طوق وأكثر. ولا بدَّ من كلمة أو إطلالة، أو مصارحة يتولاها في شكل من الأشكال الرئيس نبيه بري والرئيس تمّام سلام، تضع الناس في دائرة الحقائق والوقائع المحيطة بالفراغ الرئاسي.
ولا بدّ من توضيح مقنع لكل الهواجس التي تساهم في اقتناع كثيرين من اللبنانيين أن “الهجرة هي الحل الوحيد”.
وليكن هذا “العرض” بمثابة رسالة الى عين التينة ودارة المصيطبة.