Site icon IMLebanon

تنسيق رئاسي مُرتقب بين بكركي وفرنسا

إنتهَت زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى فرنسا، بعدما توَّجَها بلقاء الرئيس فرنسوا هولاند في الإليزيه حيث وضع الرجلان تصوّراً لتحريك ملفّ الرئاسة.

قد يكون البطريرك نجح في تفعيل العلاقات التاريخيّة بين فرنسا والموارنة، بعدما شعر أبناء مارون أنّ لا دولة تحميهم وترعاهم وسط التغييرات والتبدّلات في خريطة المنطقة، والحروب الدائرة من سوريا الى اليمن مروراً بالعراق. فكانت الوجهة الطبيعيّة باريس التي تحاول أن تستعيد، ولَو متأخرة، موطئ قدم في الشرق، وطبعاً يشكّل لبنان وموارنته الحليف والصديق الدائم لها.

يُنتظر أن تترجم الحفاوة التي حظيَ بها الراعي خلال نشاطاته ولقاءاته الفرنسيّة، دفعاً للاستحقاق الرئاسي «المُكربج» على وَقع التعقيدات الداخلية

والإقليمية. فلا يكفي أن يقول بعض المسؤولين الفرنسيين الذين التقاهم البطريرك إنّ «نَظرتك لواقع المنطقة وتحذيرك من الاتجاه الخطير لبوصلة الثورات العربية أثناء اللقاء الشهير مع الرئيس السابق نيكولا ساركوزي قد أصابت»، بل إنّ المطلوب إعطاء ضمانات لمسيحيّي الشرق أوّلاً، ومن ثمّ الانتقال الى مساعدة مسيحيّي لبنان على حلّ مشاكلهم العالقة وأهمّها الفراغ في قصر بعبدا».

ليست فرنسا حالياً الإمبراطوريّة التي تحكم العالم، لكنها الأكثر حراكاً بين الدول الاوروبيّة التي تُبدي مخاوفها على المسيحيين والرئاسة اللبنانيّة. في المقابل يعلم الراعي بعد عودته الى بكركي، أنّ مفتاح الحلّ الأساسي هو عند المسيحيين أنفسهم، لأنّ جميع رؤساء الدول وسفرائها يُلقون اللوم على العجز الماروني.

وفي هذا السياق، تميّز اللقاء مع هولاند بالمودّة، حيث أبدى اهتمامه ورَغبته في تطوير العلاقة مع لبنان والموارنة، وأكّدت مصادر بكركي لـ«الجمهوريّة» أنّ «اللقاء كان أكثر من ناجح، إذ نظّم للبطريرك استقبال بمستوى رئيس دولة وحظيَ باهتمام بروتوكولي خاص، وقصد هولاند أن يعقد خلوة منفردة مع الراعي دامَت 45 دقيقة، بحثَ فيها ملفّ الرئاسة ووَضع لبنان ومسيحيّي الشرق، وتبعها لقاء موسّع مع الوفد المرافق إستمرّ 15 دقيقة ليخرج بعدها الراعي مطمئناً»، كاشفة أنّه «تمّ الإتفاق على خطوات عمليّة وقريبة لوَضع تصوّر رئاسي، على أن يبقى التواصل والإتصال قائماً بين بكركي وفرنسا للتنسيق في الخطوات المقبلة التي يعتزم الراعي القيام بها».

الإنطباع الذي تكوّن لدى البطريرك فور انتهاء الزيارة، هو انّ فرنسا لم تتخلَّ عن موارنة لبنان، حيث نَفت المصادر «صحّة ما يُحكى عن توتّر يسود العلاقة التاريخية، فهي كانت ممتازة في كلّ مراحلها، وهناك من يحاول الاصطياد في الماء العَكر، لكنّ زيارة الراعي قطعت الشكّ باليقين، وأثبتت للعالم أنّ الموارنة ما زالوا يتمتعون بشبكة علاقات دوليّة واسعة، وأبرزها وأوّلها مع فرنسا».

يتركّز العمل الماروني الرئاسي حالياً بين بكركي من جهة، وفرنسا والفاتيكان من جهة أخرى، لكنّ الراعي ما زال ينتظر نتائج الحوار بين رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع ورئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، المدعوّين الى صَوغ تفاهم يضع رؤية مسيحيّة شاملة لملفات إذا لم تعالج سريعاً ستقضي على ما تبقّى من وجود سياسي ومسيحي في الشرق.

وأمام هذه المراوحة الرئاسيّة، لا تلاحظ بكركي في التغييرات الإقليمية أيّ دافع في اتجاه إنجاز استحقاق الرئاسة، فكلّ التغييرات من سوريا الى العراق، وصولاً الى «عاصفة الحزم» في اليمن والإتفاق النووي الإيراني لم تفض الى حلّ مرتقب، فيما التخوّف الأساسي يبقى من فَرض مؤتمر تأسيسي وتقزيم الحصّة المسيحيّة وفرض المثالثة.

لذلك، تبرز أهميّة شبك المسيحيين، بقيادة الموارنة، علاقات دوليّة تضعهم على خريطة السياسة العالميّة إذا ما أعيد النظر في وضع المنطقة ولبنان. فهل هناك قوّة عالميّة أكثر صدقاً من فرنسا على رغم تراجع دورها العالمي؟