لا يزال الوقت اللبناني ضائعاً ومعه اللبنانيّون خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة الغارقة في الحرب والدّماء، مع كلّ هذا التّعطيل لا يزال البعض يعتقدُ خطأً أن الحلّ في لبنان هو انتخاب رئيس جمهوريّة، أو إجراء إنتخابات نيابيّة، أو تشكيل حكومة بالأصالة مع أنّ كلّ هذه قابلة للتعطيل والانفجار وليس فيها أيّ حلّ!
منذ نُزعت الرئاسة من الأرثوذكس ونُقلت إلى الموارنة بات موعد انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ العام 1943 محفوفاً بأزمات تتكرّر بحدّة أكبر بفعل تداخلها مع أزمات المنطقة، ولنكن صادقين أثبتت آخر تجربة إنتخابيّة للرئيس، وهي تجربة عهد الرئيس ميشال عون، أنّ منشأ وأصل العيب هو فينا لا في الدّول التي تتدخّل في شؤوننا لأنّنا نحن من يستدعي هذه الدّول للتّدخّل!!
منذ نكبة الأرمن والأكراد ثمّ نكبة فلسطين ثمّ عروبة عبد النّاصر مروراً بخيمة الاجتماع بالرئيس فؤاد شهاب على حدود البقاع لأنّ سوريا لا تعترف بلبنان دولة مستقلّة، ثمّ باتّفاق القاهرة عام 1970 الذي وافق اللبنانيّون عليه ووقّعه الرّئيس شارل حلو، وصولاً إلى حرب السنتيْن التي استدرجت الاحتلال السوري في اجتماع فخيم ضمّ إلى جانب الرّئيس السّوري حافظ الأسد وجوه الجبهة اللبنانيّة المسيحيّة التي ضمّت الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميّل والشيخ بشير الجميّل مناشدينه حماية المسيحيّين!
وبفضل الصراع والنّقار والخلاف اللبناني الدّائم و”تفرطع” الجميع في أحلاف مضحكة ـ مبكية إنتخابيّاً منذ افتتحت القيادات بازار مصالحها الشخصيّة منذ الاتفاق الرباعي الإنتخابي، وصولاً إلى إقناع اللبنانيّين والأميركين والأوروبيّين بأنّ الانتخابات النيابيّة هي بوّابة التغيير لهذه الطبقة السياسيّة فأنتجت هذه الانتخابات برلماناً هزيلاً فيه “كراكوزات” التغيير، ونفس فلول الفساد العاجزة عن انتخاب رئيس!
“التّوك فينا” لا في الاحتلالات التي كنّا نستقوي بها من أيام القناصل قبل ثلاثة قرون بكلّ حروبها ومجازرها وتقسيماتها، الحلّ في أن يفرض علينا العالم صيغة حلّ لبضع عقود ثمّ تعديلها بحسب نجاح أو فشل التطبيق، لأنّ انتخاب رئيس ليس حلّاً، لم يكن الرّئيس في لبنان إلا لإدارة الأزمة أو هو الأزمة بنفسها!
إنتخاب الرّئيس ليس الحلّ، بل الحلّ في إخضاع لبنان لعمليّة “فرمتة” تغيّره من شروشه، ومعه إغراق السّفينة اللبنانيّة والحمد لله لقد غرقت، ولو قلنا تعالواْ نبدأ من جديد تأكّدوا أنّ الجميع لن يصلوا إلى اتّفاق بل إلى حرب أهليّة، أكثر ما يحزن في هذا الحال أنّ الجيش اللبناني هو مشهد الدّولة الوحيد المتبقّي في حالة مؤلمة يتلقّى فيها المساعدات لإطعام الجنود والمحافظة على ما تبقّى من مشهد لبنان الدّولة!