يشهد مجلس النواب منذ اكثر من اسبوع لقاءات بين عدد من الكتل والنواب من مختلف الاتجاهات، في اطار مشاورات اخذت تنشط بشكل متدرج، في ضوء بيان عين التينة الثلاثي ومبادرة الرئيس نبيه بري الاخيرة، حول انتخاب رئيس توافقي ووفاقي جامع.
ووفقا للوقائع اليومية في المجلس، فان هذا النشاط التشاوري يشمل كتلا عديدة: «اللقاء الديموقراطي» الذي ينشط في اكثر من اتجاه، «الاعتدال الوطني» التي يتحرك منذ ما قبل التطورات الاخيرة، «اللقاء التشاوري المستقل» الذي تشكل من النواب الذين خرجوا من «التيار الوطني الحر» وآخرين مستقلين، نواب «التغيير» بمختلف تشكيلاتهم، الى جانب لقاءات ومشاورات بين عدد من النواب بشكل افرادي وثنائي، يشارك فيها نواب من كتلة «التنمية والتحرير». كما يجري نواب «التيار الوطني الحر» مشاورات جانبية ايضا، مضافة على التحرك الذي يقوم به رئيس التيار جبران باسيل.
وتقول مصادر نيابية ان هذه المشاورات داخل المجلس مرشحة ان تستمر في الايام المقبلة، مشيرة الى ان مبادرة الرئيس بري ساهمت بشكل اساسي في هذا الحراك تحت قبة البرلمان وخارجه، بعد ان كان المجلس في حالة سكون وانتظار، لا سيما في الاسابيع التي تلت الحملة العدوانية «الاسرائيلية» الاخيرة.
وترى المصادر ان حركة التشاور التي نشهدها اليوم، تندرج في اطار محاولة مقاربة الاستحقاق الرئاسي على قاعدة أنتخاب رئيس توافقي، يحظى باعلى نسبة من الاصوات، انطلاقا من مشاركة كبيرة تتجاوز الـ٨٦ نائبًا.
هل ستسفر هذه المشاورات عن نتائج ايجابية قريبا؟ الاعتقاد السائد حتى الآن لدى معظم الكتل، ان لم نقل جميعها، هو ان هناك صعوبات جدية تحول دون التوصل الى جو توافقي على اسم او اسمين او حتى ثلاثة، لا بل ان ما حصل في الايام الماضية، لا يؤشر الى الاتفاق او تأمين الرئيس التوافقي في هذه المرحلة، خصوصا في ظل بعض المواقف المتشددة التي تواكب تطورات العدوان «الاسرائيلي».
وبرأي مصدر نيابي بارز ينشط في هذه المشاورات، ان لا بديل عن هذا المسار التشاوري الذي بدأ، لكن هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها، هي ان العدوان الهمجي «الاسرائيلي» على لبنان يفرض نفسه على كل شيء، وانه من الطبيعي ان تكون الاولوية هي لوقفه، لكن هذا لا يعني ان نبقى مكتوفي الايدي.
ويضيف لا نستطيع ان نقدم الاستحقاق الرئاسي على اولوية وقف الحرب، لكن ليس بالضرورة ان نربط هذا الاستحقاق بمسار ومصير الحرب، شرط ان نأتي برئيس توافقي جامع خارج اطار الرهانات على فرض رئيس امر واقع من هنا وهناك.
ويرى المصدر ان الكلام الذي يدور حول احداث خرق جدي باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية قريبا، لا يستند إلى وقائع وحقائق ملموسة حتى الآن، لاسباب عديدة منها:
١- قبل اشتداد العدوان «الاسرائيلي»، جرت محاولات متكررة للخروج من الازمة الرئاسية، لكن الانقسام العمودي حال دون انتخاب الرئيس. وبعد ان طرح بري مبادرته الاخيرة، وتخليه عن شرط الجلوس الى طاولة الحوار، تمهيدا للذهاب الى جلسة انتخاب، بدا للوهلة الاولى ان هذه المبادرة ستفتح الباب امام انتخاب رئيس توافقي، الا ان رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي يتحكم بمفاصل المعارضة المسيحية، ربط مؤخرا بعد لقاء معراب انتخاب الرئيس بشروط جديدة غير قابلة للصرف، مثل تعهد الرئيس مسبقا بتطبيق القرار ١٥٥٩ ونزع سلاح حزب الله. وهذا يعني عمليا تخليه عن مرشح الخيار الثالث، لا بل سعيه الى انتخاب رئيس امر واقع.
ومما لا شك فيه ان هذا التوجه لدى جعجع لا يحظى بتوقيع على بياض، حتى من جزء من المعارضة، وهذا ما ترجم في الامتناع عن المشاركة في لقاء معراب.
ومن المؤكد ان هناك كتلة سياسية وسطية وازنة بدأت تتبلور بقوة، مؤلفة من «اللقاء الديموقراطي» و “الاعتدال الوطني» و “اللقاء التشاوري المستقل» الحديث، والجزء الاكبر من «التغييريين» ان لم نقل معظمهم، باتوا يشكلون قوة اساسية وفاعلة يرفضون استقواء فريق على آخر، ويدعمون فكرة الرئيس الوفاقي الجامع، رغم الاختلافات حول التسميات والتصنيفات لبعض المرشحين المطروحين.
٢ – ان الضغوط التي تمارسها الادارة الاميركية لانتخاب رئيس في الوقت الحاضر، لا تنطلق من الرغبة في انجاز هذا الاستحقاق، وانما من محاولة فرض ايقاعها على هذا الاستحقاق خارج اطار البيان التوافقي اللبناني، او على الاقل انها تجري في اطار محاولة تأمين التأييد الممكن لمن تدعمه لرئاسة الجمهورية.
٣- ينأى حزب الله بنفسه عن التشاور المباشر بشأن الاستحقاق الرئاسي، ويفوض بري بهذا الامر، وهو مطمئن تماما الى ان كل المحاولات الداخلية والخارجية للاستثمار على العدوان «الاسرائيلي» وتداعياته، مصيرها الفشل بفضل ادارة رئيس المجلس لهذا الاستحقاق، وموقف اغلبية نيابية كبيرة تقف ضد الرهان على العدوان في التعاطي مع هذا الموضوع.
وفي الخلاصة، تؤشر المعطيات حتى الآن الى ان محاولات انتخاب رئيس قبل وقف الحرب التي يشنها العدو «الاسرائيلي» تدور في حلقة مفرغة، ولا يبدو انها ستسفر عن نتائج ايجابية قريبا.