تنقل مصادر سياسية عن رؤساء بعثات ديبلوماسية اجنبية في لبنان اسفهم لواقع غياب موضوع الفراغ الرئاسي من الادبيات الخطابية والمواقف اليومية ما يكشف مدى التسليم العملي الذي باتت تبديه القوى السياسية اللبنانية باستبعاد انتخاب رئيس قريبا وترك الامور على هذا الصعيد الى تحركات الخارج فقط من دون الحاجة الى بذل اي جهد داخلي، على رغم الوطأة التي بات يشكلها غياب الانتاجية في مجلس الوزراء في القضايا الاساسية التي توازي نسبتها الصفر وعلى رغم التحديات الامنية الكبيرة التي يواجهها لبنان بحيث يلح تحصين الوضع بانتخاب رئيس جديد.
فبعدما سادت توقعات، والبعض يقول آمال، بان موضوع الانتخابات قد يجد طريقه الى الحل مع بداية الربيع المقبل وتحديدا في شهر آذار بما يعنيه ذلك من سعي الى عدم تجاوز الفراغ في سدة الرئاسة الاولى مهلة السنة التي تصادف في 25 ايار المقبل، فان هذه المهلة سقطت بفعل عوامل عدة وهي لم تعد واردة، وفق كل المعطيات. فمهلة آذار المقبل، وفق ما تنقل هذه المصادر، هي مهلة نفسية لكن لا فرق عمليا بين شهرَي آذار وحزيران بما يعنيه هذا الشهر او اي شهر اخر من ان الفراغ يبقى فراغا سلبيا مؤثرا جدا في عمل المؤسسات وفي ادارة البلد وفي الموقع المسيحي الاول في لبنان. لكنها مهلة سقطت بفعل فشل الرهان على ان تلاقي المصالح بين دول اقليمية مؤثرة كالمملكة العربية السعودية وايران من اجل انقاذ العراق، ما ادى الى اخراج نوري المالكي من رئاسة الحكومة والمجيء بحكومة تضم كل المكونات العراقية برئاسة حيدر العبادي سينحسب او يمكن ان ينسحب على لبنان. وهو الامر الذي لم يحصل بل تخشى هذه المصادر ان يكون الجهد لفصل الملف الرئاسي عن ملف التطورات في سوريا والذي بذلت مساعٍ عدة من اجله في هذا الاطار قد فشلت. يترك ذلك المجال مفتوحا امام مهلة غير محددة لا يعترف باحتمالاتها كثر في الاوساط السياسية لكنها بدأت تنفذ الى بعض الاوساط لا سيما القريبة من الكنيسة المارونية من حيث اثارة تساؤلات إن حول استمرار هوية الموقع او فاعليته بعد تسجيل مجلس الوزراء سوابق دستورية معنوية تترك اثرا سلبيا من حيث التصرف بصلاحيات رئيس الجمهورية على غرار ما طرحته مسألة قبول ترشيحات سفراء اجانب في الاونة الاخيرة.فمع ان الخطوة يمكن تبريرها بان مجلس الوزراء مجتمعا بات يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية، الا انه كان من الافضل الا يتم المس بالموضوع تلافيا للمفاعيل النفسية، خصوصا ان الخطوات المتخذة تبقى ناقصة بحيث يتعذر ان يحصل اي سفير يقدم نسخة عن اوراق اعتماده الى وزير الخارجية او يقبل ترشيحه من مجلس الوزراء على لقب سفير، بمعنى قبول اعتماده من رئيس الجمهورية بل يبقى سفيرا قائما بالاعمال ما لم يتسلم الوزراء الاربعة والعشرون مجتمعين اوراق اعتماد السفير ترجمة لانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعا، وهذا الامر يتعذر ان يحصل. وهناك صيغ عدة يتم العمل بها للسفراء للعمل في مقدمها ان يكونوا سفراء قائمين بالاعمال في انتظار تقديم اوراق اعتمادهم الى رئيس الجمهورية على رغم ان بعض السفراء يمكن ان يرفض ان يحمل لقب سفير قائم بالاعمال ويفضل الانتظار من دون القدرة على العمل رسميا، او ان تبقي عواصم الدول سفراءها في مواقعهم حتى انتخاب رئيس جديد كحال السفير الايطالي الذي كان ينبغي ان يغادر لبنان في وقت سابق. وتجدر الاشارة الى انه سبق لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة في نهاية عهد اميل لحود ان قدمت اداء حذرا ملتزما كل اصول احترام صلاحيات الرئاسة الاولى رافضة تسلم قبول ترشيح اي سفير باعتبار انه يعود لرئيس الجمهورية فقط ان يرفض اعتماد سفير او القبول به على رغم نصائح عدة لها في هذا الاطار، وكان يجدر بالحكومة الحالية ان تراعي ذلك.
وبحسب هذه المصادر فان الجهد الذي بذل ولا يزال من اجل فصل الرئاسة اللبنانية عن الملف السوري لا يزال قائما وهو السبيل الوحيد لانجاز الانتخابات انطلاقا من العمل الى الوصول الى مرشح توافقي لا يكون مرتبطا بمسار التطورات السورية، أكانت الكفة يمكن ان ترجح في اتجاه النظام او في الاتجاه المعاكس، في حين ان رفض المرشح التوافقي ايا كان مسار الوضع في سوريا سيتيح المجال امام مهلة مفتوحة ليس معروفا طبيعتها من اجل انجاز الانتخابات الرئاسية. ولا ترى هذه المصادر سبيلا ممكنا لاحتمال حدوث اي خرق سوى مع الوصول الى مراحل متقدمة في الحوار الجاري بين تيار المستقبل و” حزب الله”، بما يعنيه ذلك من ترجمة لإرادات اقليمية ايضا، بحيث يشكل في حد ذاته ضغطا على القوى المسيحية لا سيما التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية اللذين يعتزمان التحاور من اجل التوافق على ما يفترض ان ينهي الازمة الرئاسية.
وتقول هذه المصادر ان العمل ينصب من جانب الافرقاء السياسيين المؤثرين في استمرار البلد ممسوكا على الصعيد الامني عبر تقديم الدعم للجيش ووضعه في الواجهة على رغم كل التحديات والخلافات الداخلية والحوار من اجل المحافظة على الاستقرار، وعلى الصعيد السياسي عبر ابقاء الحكومة قائمة بالحد الادنى من مهماتها ما دام بعض هؤلاء الافرقاء غير قابلين بملء الشغور في الرئاسة الاولى.