يتأرجح إستحقاق رئاسة الجمهوريّة بين الآمال المعقودة على الإندفاعة الاميركيّة الجديدة بعد زيارة نائب وزير الخارجية الاميركي أنطوني بلينكن إلى بيروت، وبين غروب شمس المبادرة الرئاسيّة الفرنسيّة بعدما دخل الاميركيون مباشرة على خطّ هذه الأزمة.
يغيب من الأفق أيّ حلّ رئاسي أو مبادرة جديّة على رغم «الهبّات» التفاؤليّة التي تحملها رياح التسوية النوويّة الأميركيّة- الإيرانيّة. ومع تحرّك واشنطن الأخير والكلام القاسي لبلينكن في حقّ مقاطعي الإستحقاق الرئاسي، والتريّث الفرنسي، تشهد الساحة اللبنانيّة مزيداً من الغموض الرئاسي غير البنّاء، سيخرقه مشهد زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى فرنسا للبحث في ملفّ الرئاسة مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، والإطلاع على الأجواء الفرنسيّة.
تراجع باريس حساباتها، وتراقب برودة اللبنانيين وحراك الاميركيين، وفي هذا الإطار، علمت «الجمهورية» أنّ زيارة الموفد الفرنسي التي كانت مقررة بعد الفصح لطرح ملف الإستحقاق الرئاسي مجدَّداً، تأجّلت بسبب تطورات المنطقة، وزيارة الراعي الى باريس.
إذ إنّ فرنسا، وبعد دراستها المشهد العام، ستقرّر جدوى إرسال موفد جديد. فالأساس بالنسبة إليها الآن هو المشاورات التي ستجريها مع الراعي، وسترى بعدها مدى نجاح وساطتها الرئاسية الجديدة ومدى تجاوب الأطراف اللبنانية التي تتأثر بالخارج مع مساعيها.
وتعرف فرنسا، الضليعة في الشأن اللبناني، أنّ التعقيدات الداخلية، هي إقليمية بامتياز، والعنصر الداخلي غير قادر على حلّ أو تذليل العقبات، لأنه لا يشكّل قوّة ضغط تدفع في إتجاه إجراء الإستحقاق الرئاسي، بل يزيد العِقَد.
وفي سياق متصل، تؤكد المعلومات أنّ «السبب الثاني للتريّث الفرنسي، هو أنّ الملفّ بات في عهدة الأميركيين الذين يحاولون تحريكه، مع أنه لا يأتي في سلّم أولوياتهم، لأنّ الأساس بالنسبة إليهم هو الملف النووي الإيراني، ومحاربة «داعش» والتنظيمات المتطرّفة، والوضع في اليمن مع مراقبة مجريات الأحداث هناك. وقد ترجم التريّث الفرنسي بعد زيارة بلينكن وانتقاده بقسوة معطلي الإستحقاق الرئاسي، بأنّ المبادرة خرجت من أيدي الفرنسيين، وباتت في يد الأميركيين، في انتظار التسوية النهائية في المنطقة.
الى ذلك، تؤكد مصادر كَنَسية لـ«الجمهورية» أنّ «بكركي وُضعت في أجواء زيارة بلينكن الى لبنان، لكن هذه الزيارة تحتاج الى متابعة وسط الإنشغالات الأميركيّة في المنطقة، وكلامه ترك أثراً طيباً وشبه إطمئنان، لكنه يحتاج الى متابعة عملية، خصوصاً أنّ بعض الديبلوماسيين الأميركيين والغربيين يقول إنّ العدّ العسكي لإنتخاب رئيس قد بدأ وسيترجم في شهر حزيران المقبل. لكنّ كلّ المواعيد التي وُزّعت سابقاً لم تكن صادقة، فالعِقَد ما زالت متراكمة، وغياب الإرادة الداخلية لم يسهم في إيجاد الحلّ لمعضلة باتت أكبر منا نتيجة إهمالنا لها».
وتراهن بكركي على زيارة باريس ولقاء الراعي بهولاند، حيث يقول راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس مطر لـ«الجمهورية» إنّ زيارة الراعي الى فرنسا «والتي أتت بناءً لدعوة من الرئيس هولاند مهمّة، وسيبحث البطريرك معه في إنتخاب رئيس الجمهورية، وإمكان المساعدة على إنجاز هذا الإستحقاق»، مشيراً الى أنّ «هذه الزيارة تتزامن مع مجيء وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان الى لبنان»، نافياً أيّ إرتباط بين الزيارتين.
ويوضح مطر أنّ لودريان يزور لبنان «في إطار متابعة الهبة السعودية للجيش، بينما البحث الاساس في ملف الرئاسة سيكون بين الراعي وهولاند»، مؤكداً أنّ «مبادرة بكركي التي تمّ الحديث عنها أخيراً، تتضمّن إطلاق مشاورات جديدة مع سفراء الدول المؤثرة لتسهيل إنتخاب الرئيس، والراعي سيتولّى شخصياً هذه الإتصالات مع الداخل والخارج، وتفاصيل هذه المبادرة موجودة عند بكركي». الحركة الرئاسيّة مهمّة، لكنّ الجميع يعرف أنّ كلمة السرّ لم تحن بعد، وما يحصل هو لعب في الوقت الضائع.