IMLebanon

في العتَه الرئاسي!

 

جلّ طموح البعض في لبنان، أن يتحوّل حال اجتماعه السياسي ونظامه الدستوري الى شيء شبيه بالحالة التي وجدت في بعض النواحي العربية وأوصلت في زبدة نتاجها الى هذا الدمار العميم.

وجلّ طموح أهل البذرة الأولى للربيع العربي كان تحويل دولهم وأنظمتهم الدستورية الى شيء شبيه شكلاً (ولغة) بالحالة اللبنانية ومضموناً وممارسة بالدول الليبرالية اينما كانت في هذه المعمورة، اي ان تخرج السلطة ودستورها من دائرة العسكرة واطار الحزب القائد والرائد ومن كمون مؤسساتها في دائرة الأمن واقتصادها في دائرة الحظوة السلطوية التي هي في حالات سوريا واليمن وليبيا (والعراق أيام صدام) تركيبة هجينة تجمع الحزبي بالعائلي بالمذهبي بالتجاري.

وكان الظن ان شكل النظام اللبناني هو وليد مضمونه. أي ان التعددية الطائفية والمذهبية فرضت أحكامها الماسّيّة وجعلت من ديكتاتورية فرد واحد أو طرف واحد او جماعة واحدة او حزب واحد، امراً مستحيلاً او قريباً من الثلاثية الخالدة الخاصة بالغول والعنقاء والخل الوفيّ!

ثم كان الظن بعد ذلك ان بديهيات «الحالة» اللبنانية واضحة الى حد يمكن ان يستوعبه المراهق في السياسة وعلم الاجتماع كما المتبحّر في الشأنين.. وان تفاصيل بعض الممارسات المدعية وصلاً بالأصول الديموقراطية بلغت من الغلظة مبلغاً كافياً لعدم قدرة احد على تجاوزها او تجاهلها او غضّ الطرف عنها عند المرور بها!

وكان الظن، ان يوميات الدربكة الدموية الحاصلة في المدار المحيط كافية في ذاتها لتنبيه الموتورين سياسياً والخلاصيين عقائدياً والموهومين إصلاحياً، الى أن الغلو خطأ قاتل حتى بالنسبة الى أنصاف الآلهة الذين صادروا مهام ربهم الاعلى، في ليبيا والعراق وسوريا خصوصاً، وجعلوا من أمر الموت والحياة جزءاً أصيلاً من صلاحيتهم القيادية التي لا تُردّ!

.. لكن لا ردعيات التركيبة اللبنانية المعقدة نفعت مع ذلك البعض عندنا، ولا ردميات الدم المهدور مدراراً في المحيط! بل ان الصلف السياسي صارت له ترجمة خاصة: تحوّل من ان يكون نِتَاج بأس وقوة حجّة وقدرة فاعلة، الى نِتاج عته شخصي يقارب هلوسة نزيل عقله الذي يفترض حاله مرّة الاسكندر المقدوني، ومرّة نابليون بونابرت.. اي مثل ذلك الذي ربط بالأمس مصير الجمهورية ودستورها بمصير طموحه الرئاسي، ودفعة واحدة!

.. الطغاة العرب الذين افلوا في السنوات الأربع الماضيات، بقوا حتى اللحظات الاخيرة أسرى قناعاتهم بأن اشخاصهم وسلطاتهم هي صنو وجود دولهم من اولها الى آخرها «ونجحوا» في ذلك: القذافي حوّل ليبيا خربة. وصدام قبله، حوّل العراق مقبرة. وعلي عبد الله صالح حوّل اليمن مشروع جحيم مفتوحاً على الاكثر جحامة! وبشّار الاسد حوّل سوريا الى ركام نكبوي لا مثيل له في عالم اليوم.

«الفكرة» عند هؤلاء، ان وجودهم يساوي وجود دولهم ومن فيها وما عليها وما في بطنها! لكن الجديد في هذا المسار هو وصوله الى لبنان ولو من باب التهريج الاسود: تحوّل الوضع العام من كونه رهينة مشروع عقائدي مسلّح ومرتبط بطموحات امبراطورية اقليمية، الى كونه رهينة طموح شخصي، بائس وعبثي ولا يُعتّد به عند العقّال!

.. سوى ان لبنان ليس سوريا ولا ليبيا ولا العراق ولا اليمن، برغم كل بلاوينا وطموحات ذلك المسترئس ورعونته الطافحة!