نشرت «السفير» في عددها يوم الخميس 5/11/2015 رداً على ردي حول ما أثرته عن حق رئيس الحكومة بالاستقالة، فدهشت عند قراءته لكتابته من «صاحب صفة» وصاحب الأول ذاته. لذلك أعود للتذكير ببعض النقاط الواردة في الرد ـ رقم 2 لاعتقادي أن القارئ لن يتعب لإصدار حكمه.
صحيح أن الدستور لا يُكتب لتبرير الشغور أو لبيان الحكم في حالة الفراغ، كما قال الكاتب، ولكن ماذا إذا حصل الشغور ولو بالوفاة مثلاً؟
لا داعي للاستعانة بقرار من مجلس دستوري أو غيره للإجابة، لأن المشترع وضع أحكاماً واضحة لملء الشغور. فالمادة 62 نصت على إمكان حصول خلو في سدة الرئاسة، والمادة 55 نصت على إناطة تصريف الأعمال عند حل المجلس من قبل هيئة مكتبه وإذا لم تجر انتخابات جديدة يصبح مرسوم الحل باطلاً ويعود المجلس إلى ممارسة صلاحياته كاملة. أما المادة 64 فنصت في فقرتها الثانية على أن «لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال. بهذا يكون الدستور قد أجاز حدوث الشغور ووضع أحكاماً لضبطه، وبذلك أحال تبريره إلى صاحب العلاقة الذي يتسبب بالشغور، أما هو فقد حدد كيفية تجاوزه محترماً بذلك الحقوق الشخصية التي جاءت في مواده الأولى. وهنا ليسمح لنا الكاتب بلفت نظره إلى أن سدة الرئاسة «تخلو ولا تشغر» ولهذا أسباب لا مجال لذكرها يمكن توضيحها في الرد على الرد الثالث إذا كان من مجال لذلك. ولذلك فإن الدستور في المادة 62 يمنع «الشغور» ولا يمنع «الخلو».
والملاحظة الأخرى على الرد المكرر لا يمكن تجاوزها، وإن كنت قد أشرت إليها في ردي السابق، وهي تبرير الكاتب تعذر استقالة رئيس الحكومة والحكومة بقوله «عند استقالة الحكومة يصدر رئيس الجمهورية بياناً لاستمرارها بتصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة، وعند التوافق على تشكيل الحكومة يصدر رئيس الجمهورية منفرداً مرسوم قبول استقالة الحكومة السابقة وتعيين رئيس الحكومة الجديد ومن ثم يصدر عن رئيسي الجمهورية والحكومة مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة». وهنا نسأل هل إن لرئيس الجمهورية منع الاستقالة؟ وماذا إذا لم يصدر مرسوم قبولها؟ ووفق ما حصل منذ سنة 1990 وحتى اليوم أليست هذه هي الصيغة المعتمدة.
إن النظرة إلى المراسيم الثلاثة الاستقالة والتكليف والتشكيل بالمفرق هي واحدة من السقطات غير الجائزة، فالثلاثة كلٌ لا يتجزأ، خصوصاً أنه قد استند في كتابته إلى هذه التجربة بقوله: «إذا ما نجح المكلف تشكيل الحكومة ففي هذه الحالة يصدر أولاً من الهيئة المكلفة وكالة بصلاحيات رئيس الجمهورية مرسوم قبول استقالة الحكومة، وفي هذه اللحظة انعدمت الحكومة وتلاشت وفقدت أي صفة رسمية أو دستورية لتوقيع مرسوم جديد فكيف ستوقع مرسوم تعيين الوزراء الجدد؟!
إن الصيغة الشكلية التي تصدر فيها المراسيم الثلاثة يمكن أن تكون كافية للرد على تساؤل الكاتب، ويكفي لتأكيد ذلك أن صدور أي مرسوم من الثلاثة دون الآخرين لا معنى له، فالمرسوم الأول يتطلب توافر استقالة الحكومة ومرسوم التكليف يتطلب اتخاذ إجراءات تسبق صدوره ويحددها الدستور وتوافر الاستقالة، أما مرسوم التشكيل فيتطلب توافر المرسومين معاً. وإذا احترمنا المبدأ الدستوري الذي يحرّم الفراغ في المؤسسات الدستورية تظهر أهمية اعتماد صيغة تصريف الأعمال ولا مجال هنا للوقوف عند ذلك.
نعم إن المراسيم الثلاثة لا تصدر إلا معاً والتفريق بينها ليس للتسابق على توقيت إصدارها إنما لناحية شكلية تسلسلية لحكم أمر واحد تشترك فيه المراسيم الثلاثة بالتكافل والتضامن، وهذا قد يكون كافياً للرد على تساؤل الكاتب المحترم.