ما سمعه المندوب الفرنسي جان إيف لودريان بالأذن، في الدوحة من أربعة ممثلين لأربع دول كبرى، أن لا غطاء ولا تشجيع ولا موافقة على حوار هندسه «حزب الله»، وأرسله على شكل هدية إلى فرنسا، لتطرحه على الطاولة، كبديل لتسويق معادلة سليمان فرنجية- نواف سلام، كان حدثاً حاسماً.
ما سمعه المندوب الفرنسي، شكّل انتكاسة دبلوماسية لفرنسا، التي وجدت نفسها في مواجهة أربع دول، فاضطرت للتراجع، ولا يمكن الذهاب بعيداً في تحليل زيارة لودريان السريعة لبيروت، إلا من زاوية ما استجدّ في الدوحة.
أجمع اللاعبون الأربعة، الولايات المتحدة الأميركية، السعودية ومصر وقطر، على عدم تأييد الحوار قبل انتخاب الرئيس، ولهذا الإجماع أسبابه. هذه الدول باتت تعرف أنّ الدعوة إلى الحوار، الهدف منها استنزاف الوقت، وفرض مرشح «حزب الله» بالتفاوض، بعدما فشل فرضه تسلّلاً، عبر سياسة الواقعية الفرنسية، التي هي الوجه الآخر لتسليم «حزب الله»، رئاسة الجمهورية لست سنوات.
سيلاقي لودريان اليوم، رفضاً لتمرير الطروحات الفرنسية، التي رُفضت من باب الدوحة، والتي سيتعذّر القبول بها من «شباك» المبادرة الفرنسية التي حاصرت نفسها بنفسها، قبل أن تواجَه في الدوحة برفض رُباعي محكم.
كان ممثلو المعارضة، قد انتهوا قبل أن تحطّ طائرة لودريان، من صياغة بيان مشترك واستباقي، يرفضون فيه أي مبادرة حوارية، ويصرّون على تطبيق الدستور، والدعوة لعقد جلسات متتالية لانتخاب الرئيس.
وكانت دار الفتوى، قد أصدرت بياناً على لسان المفتي عبد اللطيف دريان، يشبه نداء البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، وفحواه الدعوة إلى لمّ الشمل السني، لاستعادة الفاعلية في الدفاع عن الدستور، وموقع لبنان العربي، من خلال تشكيل قوة مؤثرة في جميع الاستحقاقات وفي طليعتها انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة.
وكانت المملكة العربية السعودية، قد أبلغت من خلال الدوائر المعتادة، أنّ أهداف تعديل الدستور باتت واضحة، وأنّ الحوار ليس بالضرورة أن يذهب مباشرة إلى هذا التعديل، كي تتحقق المخاوف بشأن الطائف، فـ»حزب الله» يطبّق سياسة تراكم الأعراف، بقصد ضرب الطائف، والمطلوب عدم تكريس هذه الأعراف كأمر واقع، لا في الحوار المزعوم، ولا في غيره من أساليب الضغوط، بل المطلوب الذهاب إلى انتخاب رئيس، وتشكيل حكومة وفقاً للدستور.
ثلاث وقائع صلبة داخلية عربية ودولية، وقفت بوجه التسلّل الفرنسي من باب المبادرات المنحازة، إلى توهّم إنجاز الحلّ.
ثلاث وقائع، ستضع زيارة لودريان في خانة النشاط التقليدي والمكرّر، إلا إذا كان يحمل مقترحاً عملياً، ينطبق على مرحلة ما بعد جلسة 14 حزيران. عندها سيكون للكلام معنى عملي.