IMLebanon

حوار الشرفاء أو حوار تمييع الوقت.. عليكم أن تختاروا

 

أيُّها السّادة، وفق علم الدبلوماسية يُعرّف الحوار «بأنه عملية تشاور متبادلة دونما شروط أو ضغوط مسبقة والهدف منه السعي وراء تحقيق تفاهم ما مشترك عبر بوابة الإستماع الفعّال لا الإملاء من أجل إيجاد قواسم مشتركة وفهم الإختلافات في وجهات نظــر متنوّعة…» أما واقع الحال في لبنان فإنّ الدعوة للحوار ومن أي جهة أتتْ أو مُسوّقة له أو داعمة له إنْ لم تأخذ بعين الإعتبار الصالح العام ضمن الأطر القانونية المرعية الإجراء ما هو إلّا بمثابة «عزيمي ع الهزيمي».

أيُّها السّادة، إنّ أي حوارا يجب أن يتمحور في الشكل والمضمون والأساس حول الصالح العام وضمن الإحترام المتبادل والإلتزام بتطبيق القانون وإقناع الآخرين بوجهة نظر تحترم القانون لا تجتاحه على ما هو حاصل حالياً في لبنان. الحوار المدعو إليه يجب أن يتخطّى عقبات القمع وفائض القوّة وتبديد الصورة النمطية عن الفوضى القائمة حالياً في البلاد لأجل تعزيز تفاهم مبني على القيم الأخلاقية والقانونية والدستورية وفقاً للنص الدستوري الذي أصبح بعد العام 1990 دستوراً للبلاد.

أيُّها السّادة، أي عملية حوار يجب أن تتمحور في الأساس حول تنمية الممارسة السياسية وفقاً للأصول الدستورية بغية إعادة بناء ركائز الدولة على أسُس الديمقراطية التي يتميز بها لبنان وإستناداً لمقدمة الدستور الفقرة /ج/ «لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على إحترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع الموطنين دون تمايز أو تفضيل». إنّ هدف أي حوار السعي الدؤوب إلى تحويل العلاقات السياسية القائمة على الجهل والفوضى والإنحراف الخُلُقي والتعصُّب إلى حالة من الإحترام للقوانين الدولية وللقوانين اللبنانية المرعية الإجراء إلى حالة أعمق من الفهم والإحترام لما هو مشترك بين اللبنانيين.

أيُّها السّادة، إنّ أي مساحة آمنة لأي حوار تتطلب بيئة وطنية – قانونية يمكن فيها للمتحاورين إبداء الرأي دون خوف من سطوة بعض الجالسين على طاولة الحوار الإفتراضية والذين هم أساساً مهيمنين على القرار اللبناني ومسيطرين على كافة إدارات الدولة المدنية والعسكرية، ومعهم فريق من اللبنانيين متعاونين معهم من أجل مكاسب شخصية ظهرت في السنوات الست الماضية لا بل كانت مرسومة ضمن إستراتيجية محكمة قادتها بعض القوى الظلامية ما قبل العام 2005 والتي تُوِّجتْ منذ ذلك العام ولغاية اليوم بأفاق الإستسلام والإنهزام والتبعية والإرتهان الأعمى وعروض البيع – الرهن على قاعدة المصلحة الخاصة.

أيُّها السّادة، في ظل أزمة الفراغ الرئاسي، وفي ظل أزمة سياسية – أمنية – اقتصادية – مالية – إجتماعية، وفي ظل عملية منظمة لفراغ قد يطال أغلبية مؤسسات الجمهورية اللبنانية المدنية والعسكرية، هناك دعوات مفتوحة للحوار تُطالب بها جهات إقليمية – دولية أصحاب الشأن في لبنان وهي دعوات تتزامن مع مساعٍ أوروبية – عربية لتسريع عملية إنتخاب رئيس جديد للجمهورية تداركاً منهم لعدم حصول إنفجار كبير في البلاد قد ينعكس سلباً على هؤلاء نتيجة تواجد النازحين السوريين على الأراضي اللبناني والتي تتزامن مع عمليات تهريب للبشر تطال بعض هذه الدول كون الجمهورية اللبنانية فاقدة السيادة. قد لا نختلف كباحثين مع بعض الدّاعين للحوار ممّن خبروا طبائع المجموعة المحتكرة للسلطة في لبنان في أنّ كل حوار يُدعى إليه البعض لا يعدو أن يكون ضرباً من السراب.

أيُّها السّادة، نسعى كباحثين وناشطين في الشأن العام وهذا هو حقنا الذي أعطتنا إياه شرعة حقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أنْ نطرح سؤالاً على الداعين والداعمين لهذا الحوار سواء أكانوا علمانيين أو رجال دين ما هو الجدوى من الحوار وأسبابه الموضوعية؟ وهل المُستبِّد والمُمسِك بزمام السلطة خلافاً للنظام الديمقراطي له الحق في الدعوة إلى الحوار؟ قد لا ننفذ تحليلياً إلى العناصر الكامنة وراء هذه الدعوة لكن الوقائع الملموسة تكشف النوايا الخبيثة الكبرى التي يمكن أن تفسَّر بين الإستبداد واللهو وإدعّاء التقيّة وفرض الرأي وبالتالي الدعوة إلى «حوار الطرشان».

أيّها السّادة، رجال دين (البطريرك – المفتي – الإمام ) إنّ أي دعوة للحوار مبنية على منظومة إستبدادية هي إنقلاب على المسار الطبيعي للحكم الديمقراطي، إنّ أي حوارا في ظل نظام فاقد للشرعية الشعبية ولا حاجة لتذكيركم بالمقاطعة الشعبية للإنتخابات الأخيرة والتي قاربت الـ59% من الناخبين ما هو إلّا خير دليل حسّي بداية على أنّ سلطة المجلس النيابي الحالي هي سلطة مزيّفة بإمتياز وبالتالي لا يحق لسلطة مغتصبة لحقوق الناس أنّ تدّعي التقيّة السياسية وتدّعي التحدث بإسم الشعب وتتغطى بإقامة حوار عنوانه «إنتخاب رئيس جديد للجمهورية».

أيُّها السّادة، لا يكون الحــوار في زمن المُحْل والإستبداد ولا يصبح ممكناً إلّا بعد إنتخابات نزيهة وشفّافة يحدّد فيها الشعب أطراف الحوار ومكانه وزمانه، ولا حوار في ظل هذا الأمر الواقع يكون مقبولاً. إنني كباحث وناشط سياسي أسأل من يُسوّقون للحوار وخصوصاً بعض رجال الدين المسيحيين: كيف يكون الحوار ممكناً مع مجموعة تحتكر السلطة سرقت شعبها باعت سيادة وطنها وتأسست على نكح الديمقراطية، وهي جوهر أساس الإستبداد والطعن بالظهر… دعوة الحوار هذه تؤسس إلى الإقصاء ومصادرة الرأي ومنع أي شكل تواصلي مبني على الديمقراطية وتقاسم الآراء.

أيُّها السّادة، مرفوض أي حوار داعم لساسة نهبوا موارد البلاد، كتل منقسمة على نفسها، بعض أعضائها لقطاء في السياسة، وساسة كوّنوا ثروات طائلة في الداخل والخارج. مرفوض أي حوار يحقق طموح القوى الإستعمارية في المنطقة. مرفوض أي حوار لا يأتي برئيس جمهورية ورئيس حكومة ووزراء سياديين ينفذون بياناً وزارية تتقدمه البنود التالية:

منظومة سياسية تحافظ على السيادة التامة في البلاد وتطبق قانون الدفاع الوطني، وتقوم بالإصلاحات على أكمل وجه وفي طليعتها إصلاحاً سياسياً يُنتج قانون إنتخاب نيابي عادل يعيد تكوين السلطة على قاعدة الديمقراطية، منظومة تسعى جاهدة للتعاون مع المجتمعين العربي والدولي من أجل تطبيق ما صدر من قرارات خاصة بالقضية اللبنانية.

منظومة أمنية شرعية تُحافظ على السيادة الوطنية دون أي شريك تطبيقاً لما ورد من بنود في وثيقة الوفاق الوطني اللبناني.

منظومة قضائية تعيد العدل إلى كل مؤسسات الدولة لأن العدل أساس الملك.

أيّها السّادة، لن يكون أي حوار بنّاءً ومثمراً إلّا متى أخذ بمضمون البنود الثلاث ومتى توفرت النيّات لتطبيقها فإنّ الأمور ستأخذ المنحى الإيجابي وستكون بداية خارطة طريق لإعادة الجمهورية اللبنانية إلى مكانتها الطبيعية بين الأمم… فيا أيُّها السّادة رجال دين وعلمانيين عليكم أن تختاروا: حوار الشرفاء أو حوار تمييع الوقت، فهل خياركم سيكون سليماً أو…؟!!!!

 

* كاتب وباحث سياسي