IMLebanon

الذكاء الإصطناعي والخداع البشري

 

عندما تمّ اكتشاف مادة البارود من قبل الصينيين القدامى، كانت النتيجة المتوخّاة منها تسهيل حياتهم البدائية، ولكن الفكر الشرّير للبشرية حوّلها مادة متفجّرة بخدمة غزواته على الانسان الآخر، وهكذا دواليك. فقد تحوّلت أعظم وأهمّ الاكتشافات البشرية، أخطر أساليب القتل والقضاء على البشرية بذاتها، وصولاً لأوقاتنا هذه حيث يطلّ سلاح الذكاء الاصطناعي برأسه الجميل ولكنّه القابل للتحوّل وجهاً إبليسياً في حرب البشرية على بعضها البعض، وأخطر أدواته، الخداع.

 

واذا كان الذكاء جانباً من جوانب خصائص الإنسانية يتميّز بها عن غيره من المخلوقات، فالخداع جانب آخر يجمعه مع الكثير من المخلوقات التي تقتنص الفرص للوصول الى فريستها. ولذلك، فبين الذكاء الاصطناعي الذي يغزو الإنسانية في الزمن الذي نعيشه، والخداع البشري الذي يُلازم الإنسانية دائماً، طريقان، في إحداهما لا يلتقيان، حيث يكون الذكاء فيها ركيزةً أساسية لتطور الانسانية والمخلوقات والكرة الأرضية بكاملها نحو الحياة الفضلى. أمّا في الطريق الآخر فيلتقيان ليتحوّل الذكاء البشري والاصطناعي خداعاً بشرياً بخدمة الأدهى والأكذب والأكثر شراً.

 

المهم، أنّ الخير ينتصر دائماً في الحرب الكبرى، ولكن بعد أن يكون الشرّ قد كسِبَ الكثير من المعارك، وسبّب العديد من الخسائر المُكلفة. وهذا ما نمرّ به في لبنان حالياً، فالعمل الدؤوب لكشف الخداع وإسقاطه ومنعه من التأثير السلبي على اللبنانيين هو طريق الذكاء المُحاذي للخداع والذي لا يلتقي معه، ولكنه يمنعه من الاستفادة من الذكاء لخداع البشر.

 

يستشرسُ عدوّ الحياة الانسانية الطبيعية في لبنان لإبقاء اللبنانيين عبيداً لمشاريعه بمنعهم من إخلاء ذاتهم من الخداع، للإمتلاء بالإيجابية والآمال بالخلاص. ولكن بالمقابل، يقف الطرف المواجه لذلك المسار، إلتزم بشعار «نحنا بدنا … نحنا فينا» معتمداً منهجية ثابتة لا يتوقّف النبض فيها، تحوّلت مفهوماً نضالياً قد لا يُحقّق حالياً خطوات مهمّة إلى الأمام، ولكنه يمنع بصموده خطوات الشرّيرين إلى الامام. الذكاء الطبيعي هو الذي يستطيع أن يكتشف ويرى مدى سوء الظروف الوطنية التي كان من الممكن أن نصل لها إن لم يكن هناك وجود للنضاليين.

 

وحيث يوهم محور المُمانعة نفسه بأنّه قادر على تمرير ألاعيبه الخبيثة بأسلوب نشر الأوهام والأكاذيب وإعتماد التضليل والضغط، يعمد لتجهيل الخصم وتناسيه والتقليل من امكانياته ومن مقدّراته وحصانته ضدّ الحيل والترغيب وحتماً ضدّ الترهيب، فيُضيّع فرص الانقاذ على الشعب اللبناني، ويُطيل الوقت المُكلف عليه، ويؤخّر سقوط مشروعه، بطرح بدعة الحوار.

 

الخداع الرئاسي حتى الغلبة، أبحوارٍ مباشر على الطاولة، أو بحوارٍ غير مباشر في الليالي المُظلمة، لتوزيع المصالح الخاصة، هذه هي استراتيجية محور المُمانعة التي لن تتغيّر، لأنّ مشروعه الشرّير ثابت، لا أمل لتعديله، فإلغاء لبنان، بلد الانسان والحرّيات، هو الهدف الاساسي له، ويتحقّق الآن بخطوة إنتخاب رئيس دمية، ومن ثم تعيين رئيس حكومة صنيعة له، من بعدها استلام كامل السلطات اللبنانية لتُصبح بأكملها خاضعة لخداعه.

 

فمن يطرح بدعة الحوار ليست غافلة عنه حتمية فشل التوافق، ولكنّه يدعو للحوار بهدف ضرب مبادراتٍ خارجية توافقية تُعرقل استمراره بمشروعه. ومن يطرح بدعة الحوار سبيلاً للخروج من الأزمة الرئاسية يُدرك أكثر من غيره أنّ العمود الفقري لجبهة الرفض لبدعه مُخضرمة باكتشاف خداعه ومُتمرّسة بإفشالها، ولذلك يُصرّ على محاولاته متّكلاً على الوقت الذي علّه يؤتي بتسوياتٍ من الخارج تُخضِع الذكاء البشري والاصطناعي للخداع البشري. ويل البشرية من خداعها، لأنّه أكثر فتكاً من الذكاء الاصطناعي، فهو المُحرّك له في حين الذكاء لن يردعه عن شرّه.