Site icon IMLebanon

لماذا الحوار بهذه الشروط غير مُجْدٍ؟

 

ما فتئ فريق «سلطة إيران» في لبنان يجترح الأراجيز والأعاجيز في إمعانه بإطالة مدى الشغور عملاً بمبدأ الديمقراطيّة التعطيليّة التي دأب على ممارستها. وذلك لأنّ الهدف الأساس يكمن في مسألتين ليس إلّا : إمّا أن تكون الجمهوريّة كلّها تحت سيطرته؛ وإمّا أن تصبح جمهوريّة مُعطَّلَة بانتظار السيطرة عليها. فما هو السبيل لاستقامة عجلة المؤسسات في الدّولة؟ هل يمكن أن يكون أيّ حوار مدخلاً لحلّ الأزمات الوجوديّة؟

 

ممّا لا شكّ فيه أنّ أيّ حوار هو مطلوب بين الأفرقاء المتخاصمين كافّة شرط أن تتوافر أدنى شروط هذا الحوار وأوّلها المساواة بين الفريقين المتحاوِرَين كي لا يفرض الأقوى شروطه على الأضعف. مع العلم أنّ ضمانة الحوار لا يمكن أن تكون وطنيّة محلّيّة بل يجب أن تكون تحت رعاية إقليميّة أم دوليّة. وهذان الشرطان يرفضهما فريق إيران في لبنان على الأقلّ حتّى الساعة.

 

فالحوار المطروح في هذه المرحلة يرفض طارحوه أيّ مبادرات دوليّة والدليل في ذلك التهجّم المستمرّ على بكركي لأنّها تجرّأت حيث لم يجرؤ آخرون وطرحت تدويل القضيّة اللبنانيّة. كذلك هذا الفريق نفسه يرفض مجرّد النقاش في الاستراتيجيّة الدّفاعيّة لأنّها تطال سلاحه غير الشّرعي في وجوديّته. من هذا المنطلق يُعتبَرُ هذا الحوار المطروح بشروط فريق إيران في لبنان ساقطاً قَبْلِيّاً بمجرّد أن طُرِحَ برفض هذين الشرطين الجوهريّين لقيامه.

 

وحجّة هذا الفريق في طرح مشروعه الحواري الملغوم تكمن في طرحه إشكاليّة مفادها: ما هو بديل الحوار؟ هل يكون ذلك البديل في استمرار التعطيل؟ أم الحرب؟ بالطبع هذه كلّها حجج واهية لأنّ الحوار في الأساس لا يُطرَحُ كبديل عمّا هو جوهريّ وأساسيّ أيّ الدّستور. فتعطيل تطبيق الدّستور لا يكون الحوار بديلاً منه بل الحلّ الوحيد يكون بتطبيق هذا الدّستور لاستعادة الحياة في مؤسّسات الدّولة.

 

ومَن يعطِّل تطبيق الدّستور هو نفسه الذي يفرض عمليّة استمرار التعطيل. ولعلّ في ذلك نهجاً تدميريّاً ما نجح بفرضه إلّا بتأمينه ميثاقيّة تعطيليّة بغطاء مسيحيٍّ أمّنه له تفاهم 6 شباط 2006. ولاستمرار هذا النّهج نتيجة واحدة هي هدم ما تبقّى من هيكل الدّولة تمهيداً لإعلان سيطرة هذا الفريق على الأسس التكوينيّة لهذه الدّولة التي تبدأ بسيطرته على السلطات التشريعية والتنفيذيّة والقضائيّة والعسكريّة والأمنيّة والاقتصاديّة كاملة.

 

وفي نظرة مقتضَبَةٍ عن سيطرته على هذه الأسس، يتبيّن لأيّ قارئ أنّ رئاسة الجمهوريّة بعدما تحوّل حليفه إلى رئيس سابق هي العائق الوحيد، لا سيّما وأنّه نجح بتعطيل تلك التي لم ينجح بإعلان سيطرته عليها كالسلطة القضائيّة مثلاً، أو بتقويض مرحليّ لبعض المؤسسات العسكريّة والأمنيّة التي نجح بضبط قرارها السياسي حتّى الساعة. وما يخافه هذا الفريق هو أن يصل إلى رئاسة الجمهوريّة رئيس ينجح بإبطال مفاعيل التعطيل التي يمارسها على هذه الأسس، وبإعادة عجلة الحياة إلى الأسس التي نجح بسيطرته عليها.

 

من هذا المنطلق، لا يمكن أن يشكّل أيّ حوار حلّاً للمسائل الوجوديّة في ظلّ إفراغ الدّولة من أسس وجوديّتها التي تكمن أوّلاً وأخيراً في تطبيق الدّستور اللبناني. وهذه مسألة لا تقتصر فقط على لبنان بل على أيّ دولة قائمة ومعترَف بها في العالم. إن لم يطبّق الدّستور بحدٍّ يسمح بسير مؤسّسات الدّولة من جديد لن ينجح أيّ حوار. لا بل أكثر من ذلك، أيّ دعوة لأيّ حوار هي دعوة ملغومة لتفجير هذا الحوار مسبقاً بهدف إطالة عمر الأزمة.

 

المطلوب تطبيق الدّستور ومحاسبة كلّ مَن يقوم بتعطيله وبإبطال مفاعيل قوّته واستقامة عجلته. أيّ دعوة للحوار اليوم خارج الشروط المنطقيّة لهذا الحوار هي كلغم سرعان ما سينفجر مزيداً من التعطيل. ولن يكون مجرّد مدخلٍ لحلّ أيّ أزمة وجوديّة لأنّه فارغ المضمون. لذا، من المجدي اليوم الإحتكام إلى الدّستور أوّلاً، وتصحيح مسار الدّولة الدّستوري وبعد ذلك فليُبحَث بأيّ شيء؛ حوار واستراتيجيّة دفاعيّة وغيرها. وحتّى فليبحث بقَبْرَصَة لبنان، أو تحويله إلى أنموذج اتّحادي إماراتيّ، أو فدراليّ، أو أضعف الإيمان فلتطبّق لامركزيّة الطائف إن رفضت سلطة إيران فيه البحث بأيّ شيء آخر.