Site icon IMLebanon

من رسالة الأليزيه إلى مأزق المساعي: الحوار أمامكم.. والشغور الرئاسي من خلفكم!

 

 

التطورات العسكرية والسياسية المتسارعة في الإقليم، تقابلها حالة من التخبط والضياع في الداخل اللبناني، تزيد الأوضاع تدهوراً، وتُضاعف الخلافات ومسافات التباعد بين الأطراف السياسية، التي مازال معظمها يتمترس في خنادق مواقفه المتصلبة، منتظراً من الآخر الخروج من خندقه حاملاً المنديل الأبيض، أو على الأقل معلناً عن موافقته على شروط خصمه، للخروج من دوامة الأزمات الراهنة.

خيّل لكثير من اللبنانيين، في لحظة تفاؤل، أننا تجاوزنا عقدة مصطلح «الحوار»، وإعتماد إقتراح»التشاور»، كما ورد في مبادرة كتلة الإعتدال النيابية. ولكن سرعان ما تبين أن المسألة أكثر صعوبة، وليس من السهل تجاوز العقبات التي تحول دون أي حوار ممكن بين الأفرقاء السياسيين، نظراً لإنعدام الثقة بينهم، سواء على المستوى الشخصي، أم بالنسبة لما يتم التوافق عليه في جلسات الحوار.  التجارب السابقة، وآخرها طاولة الحوار في القصر الجمهوري في عهد الرئيس ميشال سليمان، التي توصلت إلى «إعلان بعبدا»، سرعان ما إنسحب حزب الله منه، رغم أنه أصبح وثيقة معتمدة في الأمم المتحدة، ومنظمات دولية وإقليمية أخرى.

 

ولكن بين إصرار الثنائي الشيعي على أن يكون الحوار برئاسة الرئيس نبيه برّي، ومعارضة القوات والكتائب وأطراف مسيحية أخرى، لمبدأ الحوار قبل إجراء الإنتخابات الرئاسية، لا بد من إيجاد نقطة وسط يلتقي فيها الطرفان، المعارضة والممانعة، لإخراج البلاد والعباد من مستنقعات التعطيل والشلل، التي تهدد ما تبقّى من مقومات الدولة،

وللحد من تدحرج الإنهيارات في مختلف المجالات.

سفراء الخماسية عملوا على إيجاد «النقطة الوسط»، وإنزال كل الفرقاء اللبنانيين عن الشجرة، وإعادتهم إلى أرض الواقع، ويتواصلوا فيما بينهم ويتشاوروا، بعيداً عن ملابسات وعقد الحوار، بحثاً عن مخرج مناسب، هو في حقيقة الأمر تسوية مرحلية لإنتخاب رئيس للجمهورية، وقيام حكومة منتجة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات، تمهيداً لفتح أبواب المساعدات العربية والدولية، بما فيها المؤسسات المالية العالمية.

لم يعد خافياً أن لعبة الشروط والشروط المضادة قد عرقلت مساعي السفراء الخمسة، وظهرت القيادات المعنية، على إختلاف ألوانها الطائفية والحزبية، وكأنها في سباق محموم لتبادل الإتهامات، ووضع العراقيل أمام جهود الخماسية.

*****

وبإنتظار معرفة نتائج زيارة التقييم التي سيقوم بها سفراء الخماسية للرئيس نبيه برّي، إستقطبت محادثات الرئيس نجيب ميقاتي مع الرئيس الفرنسي ماكرون في الأليزيه الإهتمام الداخلي، خاصة بعد إنضمام قائد الجيش العماد جوزيف عون، إلى الإجتماع الموسع، وبقائه على طاولة الغداء الرئاسي، في لفتة غير مسبوقة في تاريخ زيارات قادة الجيش إلى العاصمة الفرنسية.

ودون الدخول في تفاصيل مادار في خلوة الرئيسين ماكرون وميقاتي، وما تبعها من أحاديث في الإجتماع الموسع بحضور رئيس أركان الجيوش الفرنسية وقائد الجيش اللبناني، فإن هذا الإستقبال المميّز للعماد عون في مقر الرئاسة الفرنسية، وهذا الإهتمام، الذي تجاوز حدود التكريم العادية، من قبل الرئيس الفرنسي شخصياً، يُعتبر رسالة سياسية من العيار الثقيل للأطراف اللبنانية، الغارقة في خلافاتها، والمتناقضة في مواقفها، والتي تضع مصالحها الفئوية والشخصية، فوق الإعتبارات الوطنية الملحّة، التي تقتضي إيجاد المخارج المناسبة والمتوازنة للأزمة السياسية المستفحلة، والتي يُعتبر الإستحقاق الرئاسي الممر الإجباري لها، للخروج من مهاوي الإنهيارات المتناسلة.

 

وجاء إعلان الرئيس الفرنسي بأن باريس تُنسّق مع واشنطن في المساعي المبذولة لإخراج لبنان من أزمته الراهنة، ليزيد من أهمية وجود العماد عون في الأليزيه، وهو الذي يحظى بثقة عربية ودولية، وخاصة أميركية، ساهمت في طرح إسمه في السباق الرئاسي، ثم في تذليل كل العقبات التي كانت تعترض سبيل التمديد لبقائه بقيادة الجيش، بعد بلوغه سن التقاعد في مطلع السنة الحالية.

إما غياب السفير السعودي وليد البخاري عن زيارة الخماسية إلى بنشعي، بسبب

«وعكة صحية طارئة»، فقد كثرت التأويلات والتكهنات حولها، وذهب بعضها إلى حد إعتبار الغياب بمثابة «موقف سياسي»، من المرشح الرئاسي سليمان فرنجية، في حين أن البخاري سبق وأكد أكثر من مرة، أن بلاده لاتضع فيتو على أحد، ولكنها متمسكة بالمواصفات التي حددها إجتماع وزراء خارجية الخماسية في الدوحة، وفي مقدمتها: أن لا يكون الرئيس العتيد محسوباً على أي طرف سياسي، ولا يشكل إستفزازاً لأي طرف سياسي، وأن لا يكون جزءاً من منظومة الفساد التي أوصلت البلد إلى الإفلاس الراهن.

من هنا كانت محاولة البحث عن «مرشح ثالث»، يحظى بأوسع توافق ممكن، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.

تبقى ثمة إشكالية عند رافضي الحوار في مجلس النواب ، ثم الذهاب إلى جلسات مستمرة لإنتخاب الرئيس، حيث لا خطة بديلة مطروحة على طاولة المساعي، الداخلية والخارجية على السواء، وأن ١٢ جلسة إنتخابية لم تحقق النتائج المرجوة، وكانت آخرها جلسة حزيران التي كشفت عجز المعارضة والممانعة على السواء على إيصال أحد مرشحيهما إلى الرئاسة الأولى.

يكاد المأزق الذي وصلت إليه المساعي الرئاسية أن يرسم الواقع الراهن بكلمات معبّرة: الحوار أمامكم والشغور الرئاسي من خلفكم ..، فمن أين الخلاص؟