في وقت لا توحي المؤشرات المتوافرة بإمكانية حصول أي تطور إيجابي في الجلسة الـ11 لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، المرجحة بعد غد، فإن الأنظار تتجه إلى اجتماع تكتل «لبنان القوي» المقرر، اليوم، وما إذا كان سيتخذ قراراً لناحية الانتقال من الاقتراع بورقة بيضاء، والانفصال عن «الثنائي الشيعي»، إلى الذهاب باتجاه تسمية شخصية مستقلة للرئاسة، مع تزايد الحديث عن وجود خلافات بين أعضاء التكتل الذين لا يماشون رئيسه النائب جبران باسيل، باختيار شخصية من خارج التكتل، لأن هناك أسماء جديرة بالتسمية داخله. وهذا الأمر مرشح للتفاعل بقوة داخل الفريق «العوني»، توازياً مع توجه حزب «القوات اللبنانية» إلى التحضير للخطة باء التي تحدث عنها النائب ملحم رياشي، في ما يتصل بالانتخابات الرئاسية، إذا ما وجد أن هناك مرشحاً غير النائب ميشال معوض، بإمكانه جمع ما يقارب الستين صوتاً نيابياً، ليصار إلى تبنيه، في وقت لفتت زيارة النائب نعمة افرام قبل أيام إلى معراب، حيث التقى رئيس «القوات» سمير جعجع، بحضور رياشي، وكان بحث في الملف الرئاسي بشكل أساسي.
والسؤال الذي يطرح بعد 10 جولات انتخابية رئاسية فاشلة، هل أن «حزب الله» والمعارضة متمثلة ب»القوات» وحلفائها، وصلا إلى قناعة باستحالة إيصال أي من مرشحيهما، سليمان فرنجية أو معوض، إلى قصر بعبدا؟ ما قد يدفعهما إلى سلوك طريق الحوار، من أجل التوصل إلى توافق حول مرشح تسوية، يمكن التفاهم بشأنه وتأمين الأصوات النيابية الكفيلة بانتخابه رئيساً للجمهورية في وقت قريب . لا شيء يوحي بقرب التوصل إلى هذا السيناريو حتى الآن، لكن المؤكد أن الموالاة والمعارضة، تشعر أنها وصلت إلى الطريق المسدود، الأمر الذي يجعلها مضطرة إلى البحث عن خيارات أخرى، لإحداث خرق جدي في الجدار المسدود، سيما وأن الأجواء الخارجية لا توحي بوجود حراك عربي أو دولي، لمساعدة اللبنانيين في انتخاب رئيس للجمهورية، بعد خفض سقف التوقعات من مؤتمر دولي، قيل أن باريس ستستضيفه هذا الشهر.
وإلى حين تبدّل الظروف، وبالتالي توافر الأجواء الإقليمية والدولية المؤاتية التي من شأنها تهيئة المناخات المساعدة لانتخاب رئيس جديد للبنان، يبقى أن عودة اللبنانيين إلى سلوك طريق الحوار، تشكل أيضاً مطلباً خارجياً ، باعتبار أن المجتمع الدولي ومعه الدول العربية، يدركون أن عملية فرض رئيس للجمهورية على اللبنانيين، ليس أمراً سهلاً ولن يكون له صدى إيجابي بأي شكل من الأشكال . ومن هنا يبدو جلياً أن اختيار الرئيس العتيد، هو شأن لبناني أولاً وأخيراً، ومن بعدها تأتي المساندة الخارجية . وهذا لن يتحقق إلا من خلال توافق اللبنانيين، والإسراع في عقد جلسة للبرلمان، من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، يضع البلد على السكة الصحيحة، ويخرج اللبنانيين من هذا المأزق القائم الذي يتهددهم، إذا استمرت الأمور على ما هي عليه من السلبية.
لكن في المقابل، فإن أوساط المعارضة، لا تبدي ارتياحاً إلى المسار الذي يتبعه «حزب الله» في دعوته للحوار مجدداً، مبدية خشيتها من أن يكون الهدف من ذلك وضع الجميع أمام الأمر الواقع الذي قد يدفع إلى انتخاب مرشح الحزب للرئاسة الأولى، سواء كان رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية أو غيره . ولهذا فإنه ما الذي يمنع برأي الأوساط أن يستنسخ مجلس النواب اللبناني، جلسات الانتخاب المتتالية لمجلس النواب الأميركي، حتى تمكنه من انتخاب رئيس له في نهاية المطاف . وهذا الأمر ممكن في لبنان، إذا توافرت النوايا الحسنة التي تسمح بتهيئة المناخات، لانتخاب رئيس للجمهورية، يعبر عن تطلعات اللبنانيين وحدهم، ولا يكون محسوباً على أي محور خارجي.
وفيما يحتاج لبنان في ظل الانسداد الحاصل إلى صدمة رئاسية، تحرك الجمود القائم، إلا أن زيارة وفد التحقيق الأوروبي إلى بيروت، تشكل نقطة تحول في طريقة التعاطي الدولي مع لبنان، في ما يتصل بمحاربة الفساد والمتورطين به . وليس من السهولة بمكان أن أن يأتي فريق تحقيق خارجي، ليستمع إلى إفادات 15 مسؤلاً مالياً ومصرفياً وإدارياً . وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن هناك أسلوباً جديداً في التعامل مع ما يتصل بملفات الفساد في لبنان، مع ما يعني ذلك من التلويح بعقوبات قد يجري فرضها على الذين يثبت تورطهم. وهذا ما يفرض على لبنان تسهيل مهمة وفد التحقيق الأوروبي، في إطار كشف ملابسات ما وجه من اتهامات كما ذكر، إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أو إلى غيره من المسؤولين السياسيين أو المصرفيين، باعتبار أن هذا الوفد يلقى دعماً أوروبياً، ولا بد أن ينجز عمله، وأن يلقى دعماً لبنانياً من مختلف المكونات، حتى يبنى على الشيء مقتضاه، ويتم كشف كل الحقائق.