خضع إعلان الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله عن دعم ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية إلى تفسيرين متعارضين كلياً: الاول افترض انّ هذا الإعلان أحرق حظوظ فرنجية، والثاني رأى انّه عززها ورفدها بمقويات سياسية.
أصحاب الاستنتاج الأول بنوا تقديرهم على أساس انّ واشنطن والسعودية لا يمكن أن يقبلا بانتخاب مرشح مدعوم من الحزب بهذا الوضوح، وذلك تحت طائلة استمرار عزل لبنان، إضافة إلى انّ القوى الداخلية الحليفة لهما ستصبح اكثر استشراساً في رفض فرنجية، بعدما أصبح دعم «الثنائي» له مكشوفاً، بينما لم يعط «التيار الوطني الحر» اي إشارة بعد إلى إمكان تعديل موقفه الرافض لفرنجية.
ويميل بعض القراءات «الخبيثة» إلى الترجيح، بأنّ تعمّد السيد نصرالله التشديد على إلزامية توافر نصاب الثلثين في عدد الحضور النيابي، إنما يرمي إلى التمهيد لاحقاً للانسحاب من خيار فرنجية، تحت شعار اننا جرّبنا ولم نفلح في تجميع الثلثين، وانّ وضع البلد لا يتحمّل البقاء في الفراغ طويلاً.
اما أصحاب الاستنتاج الآخر فيلفتون إلى انّ من حق «حزب الله» في المبدأ تأييد مرشح ضمن قواعد اللعبة الديموقراطية، وليس في ذلك لا إحراق ولا إحراج، علماً انّ خصومه كانوا يأخذون عليه انّه يتفادى المجاهرة بمرشحه، وكانوا يطالبونه بالكف عن الوقوف في ظلّ الورقة البيضاء، فلمّا فعل انتقلوا إلى محاكمة نياته.
ويلفت هؤلاء، إلى انّ الحزب لم يخترع جديداً، وكان معروفاً حتى قبل الدخول رسمياً في مرحلة الاستحقاق الرئاسي، أنّه يدعم فرنجية، وكل ما فعله هو أنّه انتقل من التلميح إلى التصريح، وبالتالي لا يصح ان يكون أحد قد تفاجأ بهذا الخيار، «وعندما شارك فرنجية في منتدى اتفاق الطائف بدعوة سعودية وجلس في الصف الأول، لم يكن سراً انّه حليف الحزب وخياره الرئاسي المفضل».
ثم إنّ المدققين في خطاب «السيد» يلفتون إلى انّ الحزب بدا حريصاً على التمييز بين دعمه فرنجية، انطلاقاً من كونه مرشحاً طبيعياً، وبين ان يكون مرشحه المباشر، مع علمه انّ خصومه لن يتوقفوا عند هذا الفارق، على قاعدة «عنزة ولو طارت».
وهناك بين المتحمسين للحزب من يعتبر انّ دعم «السيد» رسمياً وعلناً ترشيح رئيس تيار «المردة»، يعطي انطباعاً بأنّ فرنجية سيكون الرئيس المقبل، مهما طال الانتظار والوقت، تماماً كما حصل مع العماد ميشال عون، حين بقي الحزب متمسكاً به إلى ان تمّ انتخابه في نهاية المطاف. وأصحاب هذا الرأي يرجحون انّ «السيد» لا يمكن أن يزجّ بثقله ورصيده لدعم فرنجية ربطاً باعتبارات تكتيكية فقط أو رفعاً للعتب، بل هو جدّي إلى أقصى الحدود في موقفه، وبالتأكيد لن يكون في وارد ان يفرّط بصدقيته ووفائه اللذين هما من أهم عناصر قوته.
ويفترض المتسلحون بهذه القراءة، انّ «السيد» بات ملتزماً، وغير مُلزم، حيال فرنجية، وبالتالي لن يتراجع عن تأييده الّا إذا قرّر هو الانسحاب، لافتين إلى وجود فارق أساسي عن معركة إيصال عون، ويكمن في انّ الثنائي الشيعي متكافل ومتضامن هذه المرة في تأييد فرنجية، بل انّ الرئيس نبيه بري يشكّل رأس حربة إلى جانب «السيد» في معركة فرنجية، فيما كان من أشدّ المعارضين لانتخاب عون خلافاً لخيار الحزب آنذاك، «ومن شأن هذا التكامل بين الجانبين في «الاستراتيجية الرئاسية» ان يضيف ورقة قوة إلى اوراق بنشعي».
ويميل المنحازون لفرنجية إلى التقدير بأنّ الرئيس بري والسيد نصرالله ما كانا ليبادرا أصلاً إلى طرح اسمه علناً في هذا التوقيت لو لم تتوافر لديهما إشارات تعزز أسهمه وتشجع على إخراج اسمه من الظل، من دون أن يحرقه الضوء.
ومؤدى موقف السيد نصرالله ورئيس المجلس، انّ الورقة البيضاء طويت، وانّ كتلتيهما وحلفاءهما سيصوّتون لفرنجية في أي جلسة جديدة يدعو اليها بري، الذي لن يحدّد موعداً لها على الأرجح، قبل أن تختمر الحسابات الدقيقة. وحينها ستنقلب الادوار وسيبادر الآخرون إلى منع اكتمال النصاب إذا وجدوا انّ فرنجية قد يمرّ.
لكن اللافت ضمن هذا السياق، انّ «السيد» لم يطرح فرنجية في إطار التحدّي او المواجهة، بل ترك الأبواب مفتوحة للنقاش والتفاهم، سواء مع «التيار الوطني الحر» او مع القوى الأخرى، عبر دعوته من جهة إلى حوار محصور بالبند الرئاسي، وتأكيده من جهة أخرى بأنّ نصاب الثلثين هو ممر إلزامي لانتخاب رئيس الجمهورية في الجلسة الأولى كما الثانية، وهذا يعني انّ انتخاب فرنجية يتطلب غطاءً داخلياً واسعاً، إما بالاقتراع له وإما بالحضور لتأمين النصاب.
وتثبيت مبدأ الثلثين من قِبل السيد نصرالله كرّس شراكة التيار في الملف الرئاسي، بعد التسريبات حول إمكان تجاوزه، بل انّ الحزب أقرّ حتى لخصومه بحق تعطيل النصاب، في دلالة اضافية إلى الحاجة لنسج أوسع مظلة تفاهم ممكنة لانتخاب الرئيس.