لا تزال البلاد تعيش تردّدات ترشيح الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله والرئيس نبيه برّي لرئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، إلى رئاسة الجمهورية، ما أحرج بعض الكتل التي كان يُؤمل إصطفافها إلى جانب فرنجية، إما لعلاقات شخصية مع الرجل أو «مجاكرةً» برئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل.
لم يبتعد فرنجية «قيد أنملة» عن خطه السياسي السابق ولم يحاول تطوير العلاقات مع القوى المسيحية الوازنة، في حين يرى بعض شخصيات «محور الممانعة» أنّ طريقة إعلان ترشيحه لم تكن موفّقة، إذ خرجت من عين التينة والضاحية الجنوبية ولم تخرج من بنشعي أو بكركي أو أي مركز مسيحي له ثقله أو رمزيته. وعدا عن ردّة الفعل المسيحية السلبية التي ترافقت مع هذا الترشيح، برز معطى حاسم يجعل من عملية انتخاب فرنجية شبه مستحيلة، وهو رفض المملكة العربية السعودية انتخاب فرنجية أو أي مرشح حليف لـ»حزب الله».
كان الرئيس برّي أكثر المراهنين على سير رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط بفرنجية، وذلك لعوامل عدّة أبرزها أنّ الأخير ابن النظام و»الطائف» وسهل التعامل معه، كما يشكّل إنتخابه قطعاً للطريق أمام وصول باسيل إلى بعبدا. لكن حسابات حقل «الأستاذ» لم تتطابق مع حساب «بيدر» الرياض، فأتى الجواب سريعاً من المملكة، ما أثّر على موقف جنبلاط الذي لن يسير بمرشّح لا ترضى عنه السعودية وبقية الدول العربية.
أما التأثير السعودي الثاني فقد وقع على النوّاب السنّة وعلى رأسهم كتلة «الإعتدال الوطني» ومن كان يدور في فلك تيار «المستقبل»، حاسماً. فهؤلاء كانوا يثنون على شخصية فرنجية، لدرجة أنّ رئيس كتلة «الإعتدال الوطني» النائب وجيه البعريني أعلن صراحة أنه يتمنّى إنتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية.
لكن كلام الأمس ذهب اليوم، إذ توضح أوساط الكتلة وبعض النوّاب السنّة المستقلّين أنهم يفصلون بين رغباتهم الشخصية وصداقاتهم وبين مصلحة البلد العامة.
وفي السياق، لم يعد بإمكان هؤلاء النوّاب إنتخاب فرنجية أو أي مرشّح قريب من 8 آذار بعد الموقف السعودي والرفض المسيحي لترشيح فرنجية، ويؤكدون تمركزهم في الوسط في محاولة توفيقية. لكن هذا الوسط مختلف عمّا يظنّه البعض، فهم يريدون رئيساً يُجمع عليه معظم اللبنانيين ويكون ضمن المحور العربي الذي يُعيد ترتيب علاقات لبنان مع الدول العربية الصديقة وليس مرشحاً من محور «الممانعة».
لا يستطيع نوّاب «الإعتدال الوطني» وقدامى «المستقبل» تحمّل وزر إنتخاب رئيس من محور «حزب الله» كما يعلنون، فأمام الرئيس مهمة صعبة، فإذا انتُخب رئيس مثل فرنجية وسط عدم رضى عربي، فستتدهور العلاقات اللبنانية – العربية وسيُعتبر لبنان خارجاً عن المظلة العربية وستنحصر علاقاته الخارجية بطهران ودمشق فقط، وهذا الأمر سيزيد معاناة الشعب اللبناني وسيؤدّي به إلى قعر جهنّم.
يحاول النواب السنّة تنسيق مواقفهم بين بعضهم البعض، ومن ثمّ التنسيق مع دار الفتوى، وهذا ما ظهر بالأمس خلال لقاء النائب البعريني وعدد من النوّاب مع مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، حيث يؤكّد المفتي دريان العمل من أجل إنتخاب رئيس جديد للجمهورية بالمواصفات الإصلاحية والسيادية وعدم ربط لبنان بالمحاور الخارجية والحفاظ على هوية البلد العربية ووقف مسلسل الإنهيار.
ويشدّد البعريني في حديث مع «نداء الوطن» بعد اللقاء على أنه تمّ الإتفاق مع المفتي على مواصفات الرئيس وهي تتكامل مع المواصفات التي حدّدها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي والسفير السعودي وليد البخاري من بكركي، نافياً كل حديث عن تأمين كتلته النصاب لمرشح «حزب الله»، وموضحاً أنّ المقصود بكلامه من دار الإفتاء أنّ كتلته لن يكون لديها دور تعطيلي شرط حصول أي مرشّح على 65 صوتاً للفوز وتأمين نصاب الثلثين ونيل المرشح المظلة والمباركة العربيتين، فلن ننتخب رئيساً لا يرضى عنه العرب.
يعتبر من عمل على توحيد الصف السنّي أنّ المهمة باتت أسهل بعد إعلان ترشيح فرنجية من قِبل نصرالله وما تلاه من موقف سعودي واضح، لذلك فالنوّاب السنّة بمعظمهم يقفون في المحور المخاصم لـ»حزب الله» ويصطفّون تلقائياً ضد ترشيح فرنجية، في حين يُشدّد بعض النوّاب السنّة على دخول البلاد في مرحلة التعطيل ولا بارقة أمل من إتمام الإستحقاق الرئاسي، وربما يمتدّ هذا التعطيل لأكثر من سنة وسط عزم «حزب الله» على فرض مرشحه مثلما فعل أثناء تعطيله الجلسات لفرض العماد ميشال عون رئيساً.