باريس مقيمة على خيار مصاهرة فرنجية – سلام إلى حين تقديم البديل
انتهت عمليا حظوظ من وصفوا سابقا ولأشهر مديدة بمرشّحي الصف الأول. فخرج من السباق الرئاسي، تباعا وبشكل دراماتيكي، رئيس حركة الإستقلال ميشال معوض ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، فيما أسدل الثنائي الشيعي الستارة على ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون.
لكن هذا الخروج لا يعني حكما أن أفرقاء الداخل والخارج الذين يدعمون المرشّحين الثلاثة، قد سلّموا كليا بإنتفاء حظوظهم أو بضرورة الإنتقال الى خيارات أخرى، أو ما بات يُعرف اصطلاحا بالخيار الثالث.
1- لم يكن خيار معوّض يوما جدّيا لدى غالبية من دعمه، وخصوصا القوات اللبنانية والكتائب.الإثنان إختبئا خلف هذا الترشيح، في انتظار التوقيت الملائم لطرح الخيار الجدّي. هكذا فعلت القوات التي تمسك بخيارين غير معلنين بعد، وهكذا الكتائب التي لا تزال تُمنّي النفس بأن تتعزّز حظوظ رئيسها سامي الجميل مع إنقضاء الوقت ومع حرق الأسماء تباعا.
وجد معوّض نفسه وحيدا في خضم سياسي، يقاتل الأقربين قبل الأبعدين، وإن اقتنع متأخّرا أن حلفاءه المفترضين ليسوا كذلك.
2- لا يَخفى ان الثنائي الشيعي مُني بنكسة بعد الرفض الأميركي – السعودي خياره الرئاسي. وكانت الرياض واضحة ومباشرة في إشهار الفيتو في وجه فرنجية، وهو ما نقله الى بكركي السفير وليد البخاري. لكن لا يُنتظر أن يُسلّم الثنائي بالنقض السعودي – الأميركي، رغم أن المعطيات منقسمة بين من يقول بفرنجية كخيار نهائي لا عودة عنه وبين من يعتبر أن ترشيحه ليس نهاية المطاف، إنّما له تتمّات واستتباعات ليس أقلّها الإنتقال الى حوار جدّي حول مرشح ثالث يكون للثنائي فيه حصة وازنة لا الوحيدة.
3- يمكث العماد عون في وضع المترقّب. لم يترشّح، لكن من زكّوه، من المصريين الى القطريين وبعض الغربيين، ما زالوا يعتبرونه الخيار الأفضل في المرحلة الراهنة. ولا شكّ أن مداولات الإجتماع الخماسي في باريس، والموقف الداعم المصري – القطري، سرّعت في قرار الثنائي تظهير رفضه خيار قائد الجيش. وليس خافيا أن حزب الله معارض منذ فترة طويلة. إذ لم يكن من الصعب فك شيفرة ما ورد على لسان الأمين العام السيد حسن نصر الله في أكثر من مناسبة، من رفض لخيار العماد عون، ربطا بمعطيات تجمّعت لدى الحزب، وزادت وتعزّزت زمن التفاوض على ترسيم الحدود البحرية، وتحديدا في ملابسات الخط 29.
4- تبقى الرؤية الفرنسية التي تحاول جمع خياريّ الإستقطاب اللبناني: الثنائي من جهة، وقوى المعارضة من جهة أخرى. فكان أن طرحت باريس فكرة إنصهارهما في بوتقة فرنجية – نواف سلام.
تريح هذه المصاهرة الثنائي، لكنها تواجه لتاريخه رفضا سعوديا. وباريس مع إدراكها لهذه الإستحالة السعودية، ستبقى مقيمة على خيارها هذا بإنتظار عروض أو أفكار جديدة، مع العلم أنها لا تزال تؤخّر الإنتقال الى الخيار الثالث، الإسم الكودي لخيار البحث في مرشّحين من خارج الثنائي فرنجية والعماد عون.
5- مجمل هذه الأفكار لا يمكنها تخطّي الواقع المسيحي. هذا ما يدركه تماما الداخل والخارج. بمعنى سيكون مستحيلا على أي من الثنائي وباريس والقاهرة والدوحة والرياض فرض خيار يعارضه التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، أو واحدٌ منهما.
إلتقى التيار والقوات على التصدي لخيار فرنجية، وقد نجحا في ذلك. لكن التقاءهما حسيا لم يحصل بعد، رغم الحاجة الماسة إليه. والقوات تحديدا، واستطرادا الكتائب، لا تزال تكابر، مع علمها بأن لا مفرّ من الجلوس مع التيار من أجل بلورة تفاهم. فلا يكفي النقض لكيّ يملأ الفراغ الرئاسي، بل ثمة حاجة مسيحية ووطنية على التقاء الحد الأدنى توصلا الى الإتفاق على صيغة مشتركة تشكّل المادة الرئيسة لمواجهة أي خيار غريب عن الوجدان المسيحي، لا يمثّله ولا ينطق بإسمه.
مهمة المطران أبو نجم طموحة لكن الظروف التي أنتجت تجربة قرنة شهوان غير متوافرة
تشكّل المهمة التي كلف راعي أبرشية أنطلياس المطران أنطوان بونجم نفسه بها، إحدى محاولات التوحّد المسيحي على خيار ورؤية. لكن نجاحها مرتبط بتواضع المعنيين والعودة الى جادة الصواب وإسقاط لغة التحدّي والتشفّي. هي مهمّة طموحة لكنها محدودة سياسيا، بمعنى أن الظروف التي أنضجت نجاح تجربة قرنة شهوان غير متوافرة راهنا، او أقلها لا تتيح إعادة إحيائها.