ما من عاقلٍ مُتابعٍ للشأن السياسي اللبناني يعتقد أنّ محور الممانعة، وبالتحديد منظّمة «حزب الله»، لا يملك اسماً حاضراً ليكون مرشّحه لرئاسة الجمهوريّة. وحريصة هذه المنظّمة على أن تنتزع شرعيّة لها من شرعيّة الدّولة وهذا ما دأبت عليه منذ تسوية الدّوحة 2008. وذلك بشرط أن تكون شرعيّتها من شرعيّة الدّولة، أي بمعنى آخر على حساب هذه الشرعيّة. فكيف تستطيع انتخابات رئاسيّة بحسب دستور الطائف أن تعيدَ الشرعيّةَ كاملةً للدولة اللبنانيّة؟
من البديهي في هذه المرحلة أنّ الدعاية السلبيّة التي نجح محور الممانعة ببثّها عبر حليفه البرتقالي، قد أدّت إلى ضرب فعاليّة مركز الرئاسة الأولى. وبالطبع هنا لا نقارن بين الدّستورين أي ما قبل وما بعد الطائف. فالقاصي والدّاني يعلمان أنّ دستور ما قبل الطائف كان ذا طابعٍ رئاسي بغطاء برلماني، لكن بعد الطائف صار الدّستور من طبيعة ديمقراطيّة برلمانيّة تنفيذيّة. مع العلم أن تطبيقه المعتوِر هو الذي جعله دستوراً عقيماً، ناهيك عن ممارسات سلطة الإحتلال السوري، ووريثها الإيراني أي منظمة «حزب الله». فنجح عندها هذا المحور بتفريغ الدّستور من كلّ ما هو دستوريّ فيه بالكامل. أضف إلى ذلك كلّه، طبقة سياسيّة فاسدة عاثت خراباً في المؤسّسات جميعها، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم.
هذه التوأمة بين الفساد الذي تمثّل في منظومة كاملة ومتكاملة، وبين السلاح غير الشرعي الذي حمى هذا الفساد من قبل منظمة «حزب الله» شكّلت العمود الفقري لنجاح محور إيران وسوريا أي محور الممانعة بإحكام قبضته أكثر فأكثر. ذلك كلّه، ولا يمكن القفز فوق الأخطاء المتتالية التي ارتكبها الفريق المواجِه حيث قرّر بعض أركانه التحاور مع هذا الدويتو، أي المنظومة والمنظمة، تحت ذريعة السلم الأهلي والحفاظ على الوطن. فتمّ ضرب السلم الأهلي من قلب بيروت إلى خلدة وقبرشمون وعين الرمانة ولاسا ورميش… وغيرها الكثير من الوقائع الميدانيّة. ولم ينجح هذا المحور بالحفاظ على الوطن. أو بالحري هو مَن أراد إسقاط هذا الوطن بالذات، أعني وطن الـ 10452 كم2، خدمة للمشروع القومي الأيديولوجي الذي ينتمي إليه.
أمام هذه الإشكاليّة، لم يبقَ أمام اللبنانيّين اليوم سوى الانتخابات الرئاسيّة. ومخطئ مَن يظنّ أنّ السلاح غير الشرعي قادر على تقويض الإرادة الحرّة دائماً. فهذه المسألة لا تنجح إلا مع ضعفاء النّفوس وعديمي الكرامة، مهما ساقوا من حجج لم تعد تقنع اليوم حتّى مناصريهم وأقرب المقرّبين إليهم. فنتائج الإنتخابات النيابيّة واضحة. لقد تمّ إسقاط الأكثريّة من يد محور إيران بالضربة القاضية. ولن ينجح هذا المحور في أيّ عمليّة ديمقراطيّة قادمة قاضمة إلا إن تخاذل مَن هم في مواجهته. فمحور إيران يعوّل دوماً على تضعضع الجبهة المواجِهَة.
نجاح المواجهة الديمقراطيّة يعني حتماً سقوط لغة السلاح والعنف. ولن يتمكّن محور السلاح من مواجهة الكلمة بالكلمة لأنّه لا يفقه غير لغة السلاح. فعلى ما يبدو أنّ المرشّح الذي يعدِّه محور إيران، وتستعدّ منظمة «حزب الله» لإطلاقه، لن يكون من الوسط السياسي المعروف، ولا حتّى من الحلفاء الاستراتيجيّين لهذا المحور. بل هو يتّجه نحو مرشّح يتمتّع بصفة واحدة، لا يمكن رفضها من أحد. وهذه الصفة هي «المرشّح المقبول». هذا النوع من المرشّحين الذي يرضي الوسطيّين ولا يمكن أن يرفضه مَن يزمعون المواجهة لأنّه لا يتعارض مع مشاريعهم.
من هذا المنطلق، يعمل محور إيران لكسب رضى مفاوِضيه الدوليّين. وهذا ما يدفع إلى الاستنتاج بأنّه سيحرّر الرئاسة اللبنانيّة لكن وفق شروط تبدأ بفرض فراغ شامل ليتمكّن من رفع سقوف التنازلات عند خصومه لأنّه لا يمكن أن يخسر الشرعيّة المؤسّساتيّة التي تمدّه بالشرعيّة وتغطّي سلاحه، وتساهم في تحقيق مشروعه على حساب مشروع الدّولة والوطن والمؤسّسات. لذلك، إن نجح محور إيران بإيصال الرئيس المقبول سنكون أمام ستّ سنوات جديدة، سيتحوّل فيها لبنان إلى أُضحِيةٍ ثمينة يفوح منها عبق الغاز الطبيعي المرتقب، وألق الذهب الأسود الموعود.