تنشغل الأوساط السياسية بما قد تحمله الإتصالات بعد عطلة الأعياد، فالبلاد بأمسّ الحاجة إلى رئيس جديد للجمهورية وإلى تسوية حقيقية تُعيد عجلة المؤسسات إلى العمل بعد توقّف قسري، وفي حال تمّ الذهاب إلى حلّ حقيقي عندها تنطلق مسيرة الإنقاذ.
قالت المملكة العربية السعودية كلمتها بوضوح وتؤكّد أنّ لبنان جزء من المنظومة العربية ولن يكون خارج الإتفاق السعودي- الإيراني، لكن هناك ملفات أهم تجرى معالجتها الآن وعلى رأسها ملفّا اليمن وسوريا، وينعكس الجوّ الإيجابي في المنطقة على بيروت وهذا ما يُسرّع في عملية الإتفاق على رئيس جديد وفق شروط الأغلبية الساحقة من اللبنانيين التي تريد عودة العلاقات اللبنانية – الخليجية إلى سابق عهدها.
وإذا كانت فرنسا تسير عكس تيار التسوية في المنطقة وتريد فرض رئيس موالٍ لـ»حزب الله» مقابل صفقات وسمسرات باتت معروفة، إلا أنّ الموقف الخليجي بقيادة الرياض وموقف السواد الأعظم من المسيحيين كفيلان بإنهاء المغامرة الفرنسية، لكنّه لن يُنهي الشرخ بين فرنسا والمسيحيين بعدما ضُربت العلاقات التاريخية بينهما بسبب عمل إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون عكس إرادة المسيحيين.
عندما سُئل البطريرك الماروني الراحل الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير لماذا لا يزور دمشق ويبحث العلاقات الثنائية ويُطالب بتصحيحها ويشارك في إستقبال البابا القديس يوحنا بولس الثاني، أجاب: «لن أذهب إلى سوريا إلا ورعيّتي معي»، ويبدو أنّ الأمر نفسه يتكرّر مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي يُصرّ على عدم السير بأي اسم رئاسي إلا والأغلبية المسيحية موافقة على هذا الإسم.
وفي التفاصيل، باتت باريس وبنشعي على معرفة تامة بموقف البطريرك الراعي من التسوية الفرنسية المطروحة والتي تنصّ على انتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية وتعيين السفير نواف سلام أو أي إسم آخر من 14 آذار رئيساً للحكومة، وهذا الموقف أبلغه الراعي إلى فرنجية والسفيرة الفرنسية آن غريو.
ويؤكّد الراعي أنّه لا يضع «فيتو» على اسم فرنجية أو أي مرشح آخر، وقد قالها لفرنجية لكن شرط تأمين دعم الكتل المسيحية الكبرى وعلى رأسها «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» أو أقلّه كتلة من هاتين الكتلتين، فمن دون ميثاقية مسيحية لا يستطيع أي رئيس جمهورية الحكم وستكون هناك مشكلة كبيرة في البلد، وعندها سيكون هناك إحباط مسيحي من نوع آخر ويمكن أن تعود تجربة الحكم ما بين 1990 و2005.
والأمر نفسه الذي قاله البطريرك لفرنجية ردّده على مسامع السفيرة الفرنسية التي شدّد الراعي أمامها على وجوب إنتخاب رئيس جمهورية سريعاً، لكن أن يعمد فريق إلى تعطيل الجلسات الإنتخابية من أجل تأمين فوز مرشحه فهذا أمر مرفوض، كذلك لا يمكن إنتخاب رئيس جمهورية ماروني من دون موافقة الأغلبية المسيحية، فانطلاقة أي رئيس يجب أن تبدأ من البيت المسيحي وإلا سيخلق الرئيس الجديد أزمة بدل أن يكون بداية لحل أزمة لبنان.
إذاً قالت بكركي كلمتها والتي تتضمّن بشكل أساسي إحترام إرادة المسيحيين، وإذا كان البطريرك لا يضع «فيتو» على إسم فرنجية فهذا الأمر لا يعني قبوله بتخطّي الكتل المسيحية الأساسية.
وتُعيب بكركي على فرنجية والفريق الداعم له عدم احترام الآليات الدستورية واللجوء إلى تعطيل النصاب، فلو سلك فرنجية الطريق التي سلكها المرشح النائب ميشال معوض لكانت الأمور سارت بشكل طبيعي ويُنتخب من يفوز بأكبر عدد من الأصوات، عندها لا تكون هناك مشكلة في الميثاقية المسيحية لأن الإنتخاب يحصل ضمن الأطر الديموقراطية وبمشاركة الكتل المسيحية.
ومن جهة ثانية، تضع بكركي شرطاً أساسياً على أي رئيس جمهورية وهو إعادة وصل علاقات لبنان بالعالمين الغربي والعربي والعمل على عدم تغيير هوية البلد، لذلك لا تريد رئيساً ينتمي إلى محور معيّن، بل يهمّها إنتخاب رئيس يحلّ أزمة لبنان الإقتصادية والسياسية والدبلوماسية.