مهلة السماح الخارجية المعطاة للأطراف السياسية اللبنانية، لإنهاء الشغور الرئاسي وإنتخاب رئيس الجمهورية، بدأت تقترب من نهايتها المحددة بأواخر حزيران المقبل كحد أقصى.
وأصبح معروفاً أن عواصم القرار العربي والغربي أبلغت الجهات السياسية اللبنانية، أن العقوبات ستلاحق الأطراف المعطلة للعملية الإنتخابية، وستتحمل مسؤولية إستمرار التدهور الحالي في مختلف القطاعات الإقتصادية والمالية والإجتماعية.
ولكن التطورات المستجدة على المسرح الرئاسي لا توحي بأن الكتل النيابية والأحزاب السياسية الوازنة في العملية الإنتخابية، قد استوعبت جدّية التهديدات بفرض عقوبات موجعة على المعطلين، لأن الحوارات ما زالت أسيرة المناورات التشاطرية من جهة، أو هي لم تخرج من دوائر الحذر والتشكيك، وفقدان الثقة، خاصة بين القوات والتيار العوني، من جهة أخرى.
التسريبات عن حصول تقدم بين قوى المعارضة، وعن إقتراب الإتفاق على مرشح واحد، هو الوزير السابق جهاد أزعور، قد تحمل مؤشرًا إيجابياً، ولكنه طبعاً غير كافياً، لأن الأحزاب المسيحية الرئيسية لم تعلن إلتزامها بتأييد أزعور. والقوات مازالت تنتظر الكلمة النهائية والحاسمة من رئيس التيار العوني، الذي مازال يدرس حسابات الربح والخسارة قبل إتخاذ القرار النهائي.
والواقع أن هامش المناورة قد ضاق كثيراً أمام النائب باسيل الذي أصبح أمام خيارين أحلاهما مرّ. الأول الحفاظ على «شعرة معاوية» مع حزب الله، وعدم الخروج نهائياً من تفاهم مار مخايل، الذي يعتبره العماد ميشال عون «مازال موجوداً ولكنه يحتاج إلى تعديل»، مع كل ما يعني ذلك من تحمّل المضاعفات السلبية لهذا الخيار على صعيد القاعدة المسيحية. أما الخيار الثاني فيقضي الذهاب للآخر في التنسيق مع أطراف المعارضة، وخاصة القوات وحزب الكتائب، والإتفاق على مرشح واحد، جهاد أزعور أو غيره، إذا إقتضى الأمر. مما يعني قطع «العلاقات التفاهمية» مع الحزب، وإرتداداته على المستويين الشخصي والسياسي.
أما على جبهة المجموعات المحسوبة على المعارضة، فالوضع مازال غير واضح، بإنتظار تبلور نتائج الإتصالات الناشطة على أكثر من صعيد، وحسم خيار النواب المترددين، من المستقلين والتغييريين، لإستكمال عمليات البوانتاج. ومعرفة الأرقام التي يمكن أن يحصل عليها مرشح المعارضة في حال دعا الرئيس نبيه برّي إلى جلسة إنتخابية.
ولكن الإشكالية الأساس التي تعترض طريق مرشح المعارضة، تبقى في دائرة الميثاقية، في حال لم يُصوّت له أي نائب شيعي، كما هو متوقعاً، في حال تمسك الثنائي الشيعي بتبني ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
ردة فعل الثنائي على ترشيح أزعور كانت مفاجئة، وخارج إطار الدعوات التي أطلقها مسؤولون في الحزب للمعارضة بتسمية مرشحهم والنزول إلى مجلس النواب لخوض الإنتخابات بمعركة ديموقراطية.
ما ورد في خطابات الأمس من رفض مبطن لمبدأ المنافسة الديموقراطية في الإنتخابات الرئاسية، والقول مجدداً أن فرنجية رئيساً أو ليبقى الشغور أشهراً طويلة، يعني بشكل واضح أن الحزب يتمسك بفرض رئيس المردة رئيساً مهما كانت الظروف، ومهما بلغت المعارضة المسيحية له، الأمر الذى يُعيدنا إلى الإشكالية الميثاقية التي تعترض مرشح المعارضة، بغض النظر عمن يكون، جهاد أزعور أو غيره.
في ظل هذا الوضع المعقّد، والذي تحيط به الكثير من التناقضات، يبدو الإستحقاق الرئاسي التائه في خضم الخلافات الداخلية الصعبة، أنه بحاجة إلى تفاهمات خارجية قادرة على تفكيك العقد المحلية، و«تمرير» الإنتخابات الرئاسية، ولو عبر «الروح القدس»، الذي يحمل كلمة السر باسم الرئيس المدعوم من عواصم القرار المهتمة بالمأساة اللبنانية.
فهل سيدفع عجز المنظومة السياسية الخارج إلى التدخل لإنقاذ هذا الشعب المنكوب من مهاوي الإنهيارات الجهنمية المتلاحقة؟