تشخص أنظار اللبنانيين، والعرب، والجهات الاقليمية والدولية المعنية باستقرار لبنان الى يوم بعد غد الأربعاء، ليس لمعرفة من سيكون رئيساً للجمهورية، بل أبعد من ذلك بكثير، لمعرفة مسار العلاقات الداخلية بين القوى والكتل والأحزاب الممثلة للطوائف اللبنانية، التي تتقاسم «الأزمات»، من تحت قبة ما يسمى بالبرلمان او الندوة النيابية.
بعد غد الأربعاء، هو ليس يوم حشر او أشبه بيوم الحشر، إنه يوم كشف ما ظهر وما بطن من حقائق تتعلق بوضع لبنان، وقدرة الكتل النيابية ومَن يقف وراءها على الاحتفاظ «بالصيغة النموذج» أو إرسال رسال واضحة لحزب الله أن ثمة مرحلة انتهت في ما خص قدرة الحزب على التحكم بالرئاسة الأولى، وبالتالي بالتأثر المباشر على مجريات عمل السلطات وحكم الدولة..
ولعلَّ هذه «المتغيرة الكبيرة» المستجدة هي التي ستتحكم بمجريات العملية السياسية في بلد منهك، يعوّل على اصطياد بعض الفرص المتاحة بين موسم اصطياف من هنا وتدفق أموال للنازحين من هناك، فضلاً عن ترقب إعادة بناء القطاع المصرفي من خلال التعميم رقم 165.
بعد أيام قليلة، اي في 23 من الشهر الجاري، بامكان حكومة تصريف الاعمال ان نمضي قدماً، وهي تحتفل بذكرى مرور سنة على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومة بدعم 54 نائباً، وهو لم يتمكن من تشكيلها لتاريخه، ويواصل تصريف الاعمال، وسط تضخم الاشتباك مع التيار العوني بزعامة جبران باسيل..
أدت الانقسامات العميقة بين النخب الحاكمة في البلد إلى اظهار حجم الأزمة التي منعت ميقاتي من تشكيل حكومة، الأمر الذي تسبب بشلل سياسي، أعاق الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، الذي أتاح المجال امام مديره لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا جهاز ازعور لخوض الانتخابات من بوابة الحاجة الى الاصلاحات لانتشال لبنان من قعر الهاوية والانهيارات المتتالية.
ومشهد الانقسامات هذا، الذي يكاد يشل البلد من بوابة حكومة تصريف الاعمال، بعد تعذر تأليف حكومة وفقا للأصول الدستورية، هو الذي يشل ايضاً المحاولات الجارية لانتخابات رئيس جديد للجمهورية يعيد بناء الدولة ومؤسساتها، ويجري التعيينات الضرورية في حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش، وسائر المديريات والادارات الشاغرة.
كان اعلان جدة حول التضامن في لبنان، والذي صدر عن القمة العربية الأخيرة، واضحاً لجهة حث كل الأطراف اللبنانية للتحاور لانتخاب رئيس للجمهورية يرضي طموحات اللبنانيين، وانتظام عمل المؤسسات الدستورية، واقرار الاصلاحات المطلوبة لاخراج لبنان من أزمته..
قد تكون مقولة «إرضاء طموحات اللبنانيين» واضحة لجهة العودة الى انتظام عمل المؤسسات: رئيس، فحكومة، فإصلاحات جذرية، فتدفق جديد للمساعدات عبر صندوق النقد الدولي، هو الطريق للخروج من الأزمة..
وضمن هذه الخارطة القاطعة بوضوحها تنعقد الجلسة رقم 12 لانتخاب رئيس للدولة، ولكن السؤال كيف؟ ومن هو هذا الرئيس؟!
تتحدث المعلومات أن ترشيح المالي والتقني الشمالي جهاد ازعور، لم يأتِ فقط من ضمن اجتهادات رؤساء الاحزاب والكتل المتمثلة في المجلس النيابي، بل هو نتيجة منطقية لمروحة واسعة من المشاورات والاتصالات اعقبت القمة العربية، لا سيما على مستوى اطراف اللقاء الخماسي، الذي انضمت اليه بالضرورة ايران وسوريا، وربما بعد التفاهمات والانفراجات الواسعة مع التوقيع على الاتفاق الإيراني- السعودي برعاية صينية قبل أشهر.. وانتهت للاتفاق على دعم ترشيح ازعور بمواجهة ترشيح الثنائي الشيعي النائب السابق سليمان فرنجية، الذي يتحدث اليوم من باب التأكيد على ترشحه للرئاسة..
كُلِّف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي العمل مع القوى اللبنانية، لا سيما «الثنائي الشيعي» على اقناعهم بأن يكون ازعور هو مرشح التوافق اللبناني، لملء الشغور في الرئاسة الاولى، وتدارك مخاطر استمراره على مقومات الدولة وبقائها، وصيغة «العيش المشترك».
لكن البطريرك كما سواه لم يوفّق، وجاءه الرد الشيعي قاطعاً: مرشحنا فرنجية، ولا مرشح غيره.. وكأنه أوصد الباب، فما كان من بكركي الى ان عادت أدراجها من هذه المحاولة خائبة..
يتمسك محور «التقاطع» بأزعور مرشحاً، وليس صحيحاً القول أن التيار الوطني الحر، تقاطع مع خصومه على دعمه من باب اسقاط فرنجية فقط.. فأزعور هو خلاصة تقاطع عربي- فرنسي- دولي سياسي ومالي، بالمقابل يتمسك «حزب الله» باعتباره ممثل محور «الممانعة»: سوريا وايران بترشيح فرنجية، وهو يدعو للحوار حول نقطتين: – التسليم من قبل قوى «التقاطع» بقبول انتخابه، – الحوار ما يترتب على هذا القبول..
واللعبة مع كتل المعارضة هي نفسها: القبول بالمرشح المختار، ودعوة حزب الله ومؤيديه لطرح مطالب الضمانات والتطمين..
في اللعبة، هذه، لا ينظر المواطن الى ما ستشهده ساحة النجمة بعد غد من سلاسة في انعقاد الجلسة او خلاف ذلك، ومجريات العملية الآيلة الى انتخاب رئيس او خلاف، بل الى مصيره العالق بين التعنت والعناد، مع تهديد اكثر من 310 آلاف موظف ومتقاعد في القطاع العام برواتبهم ورزق عيالهم، وتيسير امورهم ومعاشات التقاعد، نظرا الى الشلل الذي لم يصب الحكومة وحسب، بل التشريع ايضاً وصولاً الى الرئاسة..
الانظار تتجه الى رئاسة المجلس، وموعد الجلسة، ومجريات الاقتراع، وما بعد هذا الاقتراع…
ولئن كانت فرص الانتخاب الرئاسي لملء الشغور شبه معدومة، فإن المخاوف تتصاعد من مرحلة جديدة من «الكباش السياسي» تفاقم من المخاطر بدل الانفراج المرتقب!