يصف بعض المطلعين عن كثب على موقف الإدارة الأميركية بشأن الاستحقاق الرئاسي في لبنان، مقاربة الأميركيين لهذا الملف، بأنّه يشهد تطوراً في انخراط واشنطن أكثر فأكثر في الشأن اللبناني، وذلك من خلال التدرّج في مواقف المسؤولين الأميركيين الذي أبدوا مع الوقت اهتماماً أكثر بالملف اللبناني، ولو أنّه لا يزال ضمن سقف محدود، وذلك بعد مرحلة من الحياد النسبي أو ما يعتبره البعض «لامبالاة».
ولهذا انتقلت توجهات الإدارة الأميركية من الدعوة للإسراع في إنجاز الاستحقاق بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على خلوّ الرئاسة الأولى، إلى تحديد وجهة المواصفات التي يفترض أن يتمتع بها من سيجلس على كرسي بعبدا رئيساً… فيما لا يزال الفرنسيون غارقين في مستنقع «القال والقيل» اللبناني!
في الواقع، بيّنت تطورات الأشهر الأخيرة أنّ الفرنسيين هم الأكثر حماسة لبذل الجهود في سبيل إنجاز الاستحقاق اللبناني وإعادة تفعيل عجلة المؤسسات الدستورية على أمل إقرار الإصلاحات المطلوبة دولياً والإلتزام بها للجم الإنهيار الحاصل وإعادة النهوض بالوضعين الاقتصادي – النقدي والاجتماعي.
ومع ذلك، يؤكد المطلعون على الموقف الأميركي أنّ اهتمام واشنطن بلبنان محكوم بسقف معين، وهو الحفاظ على الاستقرار الهشّ، والمرشّح للتعرّض لأي هزة، لكنّه مع ذلك لا يزال مضبوطاً ولو غير منضبط. ويشيرون إلى أنّ بعض المسؤولين الأميركيين كانوا يعتقدون أنّ الاستحقاق الرئاسي سينجز قبل بلوغ خطّ انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، الأحمر. ولهذا كان بعض من يلتقيهم يخرج بانطباع أنّ الرئيس العتيد سيدخل القصر قبل شهر حزيران، ليتمكن العهد الجديد من تعيين حاكم جديد قبل مغادرة رياض سلامة منصبه مطلع آب. لكن تلك التقديرات، بدت في غير محلّها، وها هو سلامة يستعد للمغادرة وسط ترجيحات تشير إلى أنّ الشغور الرئاسي سيكون طويلاً وطويلاً جداً.
على هذا الأساس، جرى الاستماع إلى نائبه وسيم منصوري المفترض أنّه سيتولى الحاكمية، بعد مغادرة سلامة، في واشنطن، حيث يفيد المطلعون بأنّ المسؤولين الأميركيين ممن التقوا منصوري وتناقشوا معه في مستقبل الوضع النقدي في لبنان وطبيعة الإجراءات التي سيتخذها، أبدوا ارتياحاً لمقاربته. وعليه، يفترض أن يستلم منصوري الحاكمية مطلع الشهر المقبل عملاً بأحكام قانون النقد والتسليف، ولو أنّ الثنائي متوجّس من هذه المهمة.
هكذا، يقول المطلعون إنّ اهتمام الأميركيين سينصب راهناً على الاستحقاق الأمني، طالما أنّ المؤشرات تدلّ على أنّه لا أفق بادياً للشغور الرئاسي، وقد يطال مطلع العام المقبل قيادة الجيش في تداعياته.
أمّا غير ذلك، فلا يزال الموقف الأميركي بشأن الرئاسة اللبنانية، عند عمومياته، بمعنى عدم التوغّل في التفاصيل. ولهذا فإنّ السلوك الفرنسي هو موضع خلاف، أو تباين بين واشنطن وباريس التي شمّرت عن ساعديها، وقررت الانغماس في الوحول اللبنانية. وهناك من يرى أنّ الفرنسيين يستثمرون في الوقت الضائع وفي المساحة المتروكة دولياً ليحجزوا لهم موطئ قدم في المنطقة انطلاقاً من البوابة اللبنانية. ولهذا لا يمانعون في أن يحاولوا ويستمروا في المحاولة.
وينفي هؤلاء حصول أي تنسيق أميركي- فرنسي حول الملف اللبناني، لا سيما قبل زيارة الموفد الفرنسي جان- ايف لودريان، كما ينفون علمهم بأي موعد قريب لاجتماع اللجنة الخماسية التي تضمّ كلاً من فرنسا، الولايات المتحدة، السعودية، قطر ومصر. وجلّ ما يتابعه الأميركيون هو أنّ الفرنسيين يراهنون على حوار مفصّل مع السعوديين لضمان شراكتهم في «الديل» اللبناني، غير أنّ الأميركيين مقتنعون، وفق المطلعين، بأنّ السعوديين غير متحمسين أبداً للأسلوب الفرنسي ويرفضون الخوض في الأسماء والآليات والمقايضات التي يعرضها الفرنسيون… ويصرّون على التهرّب منها!
وفق الأميركيين، آلية انتاج الرئيس تكمن في الاقتراع المتواصل من جانب النواب اللبنانيين، وهو ما أبلغته مستشارة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري عشية جلسة 14 حزيران… من دون أن يعني أنّ الأخير سيسارع إلى الدعوة للجلسة الـ13 التي تبدو إلى الآن غير مرئية على مرصد الجلسات الانتخابية مع العلم أنّ الثنائي لم يخرج من الجلسة الـ12 مرتاحاً، كما حاول نوابه إظهاره بعدما سجّل «سكور» رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية 51 حيث تفيد المعلومات أنّ تقديرات هذا الفريق كانت تتخطى هذا العدد، ولكن يبدو أنّ بعض النواب ممن وعدوهم بمنح أصواتهم لمصلحة فرنجية، قد خذلوهم.
هكذا، يتبيّن أنّ الفرنسيين يلعبون «سولو» في الملف اللبناني، على أمل أن يكونوا جزءاً من أي تسوية دولية، صار لا بدّ منها لإنقاذ الرئاسة اللبنانية وما تبقى من هيكل الدولة المتداعي. أمّا توقيت هذه التسوية فلا يزال مجهولاً ولو أنّ بعض المواكبين يعتقدون أنّ تقدم التفاوض الأميركي- الإيراني قد يساعد على إنهاء الملف اللبناني.