يستمرّ الحوار رئاسياً بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» من دون أن يثمر حتى اللحظة تراجع «الحزب» عن دعم رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية ما يستتبعه تراجع رئيس «التيار» النائب جبران باسيل عن دعم ترشيح الوزير الأسبق الدكتور جهاد أزعور. على رغم ذلك، أعلن عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ألان عون قبل أيام، أنّ «أزعور كان محاولة ولم تحصل على النتيجة المطلوبة، والآن نبحث عن خيار آخر».
فهل يكون باسيل أوّل من يخرج عن التقاطع على اسم أزعور؟ وأي خيارات ستتبقى أمام المعارضة في حال توصّل «الحزب» وباسيل إلى اتفاق رئاسي؟
لا معطيات تدلّ إلى صحة كلام عون حتى اللحظة، علماً أنّه سبق أن أعلن في أيار الماضي، أن «لا اتفاق مع المعارضة على مرشح بوجه «الثنائي الشيعي»، إلّا إذا كان من داخل التكتل لأنّه لا يُعتبر حينها استهدافاً له، أمّا الاتفاق على مرشح مستقل فيحتاج إلى توافق مع الثنائي». وبعد أيّام تبيّن عكس ذلك، إذ اتجه «التيار» إلى دعم أزعور بالتقاطع مع المعارضة و»تغييريين» و»مستقلّين».
لذلك، تتعامل المعارضة مع كلام عون، على أنّه يعبّر عنه وعن مجموعة داخل «التيار» ظهر بالممارسة أنّها لا تمون على «القرار»، بدليل أنّها لم تجرؤ على إعلان أنّها لم تقترع لأزعور. وبحسب معطيات المعارضة، لا يزال التقاطع على إسم أزعور قائماً ولا يزال «التيار» ضمنه.
في حسابات المعارضة أيضاً، لا رهان على باسيل، وهي لم تراهن عليه أساساً، بل تقاطعت معه رئاسياً لظروف وأسبابٍ باتت معروفة. إنّما في قراءتها السياسية، ومعطياتها، طالما أنّ «حزب الله» يتمسّك بفرنجية سيتمسّك باسيل بأزعور. كذلك بحسب المنطق السياسي، هذه ورقة قوة تفاوضية في يد باسيل لن يتخلّى عنها بلا مقابل، خصوصاً وفق المنطق «العوني»، بحسب جهات معارضة، إذ إنّه قائم على الابتزاز السياسي ومعادلة: «بتعطيني بعطيك».
إلى ذلك، ترى المعارضة أنّ استئناف الحوار بين الحليفين لا يعني الاتفاق، بل يهدف «حزب الله» منه، إلى تجميد الخلاف لعدم تفاقمه، إضافةً إلى عدم إعطاء انطباع بأنّ «الثنائي الشيعي» على ضفّة وبقية المكونات كلّها ومن ضمنها المسيحية التي تجمع حلفاءه وخصومه، على ضفّة أخرى، خصوصاً في ظلّ غياب حليف مسيحي وازن لـ»الحزب» غير «التيار».
«الحزب» يعلم أنّ باسيل لا يمكن أن ينتخب فرنجية، لكنّه يراهن على سياسة «الأخذ والعطاء والقواسم المشتركة» التي قد توصل إلى مشاركة باسيل في جلسة لانتخاب فرنجية، ما يؤمّن الميثاقية المسيحية لانتخابه، وقد يفتح باباً لانضمام آخرين إلى هذه التسوية.
وفق حسابات المعارضة، باسيل لن يسهّل وصول فرنجية، فهذا يعني «الإجهاز» على الحالة «العونية – الباسيلية». لذلك هذه ليست مسألة تكتية بالنسبة إلى باسيل وهو ليس في وارد التفاوض على ذلك، بل فتح قنوات الحوار مع «الحزب» للاتفاق على مرشح آخر. في الوقت نفسه، تدرك المعارضة أنّ باسيل على «أهبة الاستعداد» للاتفاق مع «حزب الله» على مرشح غير فرنجية، وسيسارع آنئذ إلى الخروج من التقاطع على اسم أزعور. إذ إنّ «الاتفاق» مع «الحزب» يفيد باسيل عملياً، فيستطيع من خلاله الحصول على مكاسب ونفوذ سياسي مقابل تغطية مشروع «حزب الله» ما لا يمكنه تحصيله من المعارضة. ويعلم باسيل بالممارسة مدى «التزام» حليفه بتأمين مطالبه الرئاسية والوزارية والنيابية والإدارية.
كلّ هذا «محسوب» لدى المعارضة. ولا يعني بالضرورة «ضربة» لها، بل يحقّق الوصول إلى هدف مشترك: إسقاط فرنجية. أمّا ما بعد ذلك فالخيارات مفتوحة. هذا فضلاً عن أنّ المعارضة لا تعارض التوافق مع «الحزب» على رئيس ضمن مساحة مشتركة، بل إنّها مستعدة للتنازل، وسبق أن فعلت ذلك بتراجعها عن ترشيح النائب ميشال معوض وتحقيق تقاطع واسع على إسم أزعور. وهي تملك الثلث المعطّل، وتعتبر أنّه حتى لو حصل توافق بين باسيل و»الحزب» عكس توجّهها، فهناك فئة لبنانية واسعة ووازنة لن تسلّم بإدارة «حزب الله» للبلد.
في حسابات المعارضة أيضاً، أنّ المسار الرئاسي منذ نحو 11 شهراً أظهر أنّ المعطّل لانتخاب رئيس للجمهورية هو «الثنائي الشيعي» وفريقه. وأنّ المطروح الآن، يكمن في ما ورد في بيان اللجنة الخماسية، لجهة ضرورة اعتماد الآليات الدستورية لانتخاب رئيس، أي الآلية الانتخابية وليس الحوارية. هذا إضافةً إلى التلويح بعقوبات على من يعطّل الانتخابات. وبإسقاط بيان اللجنة الخماسية على القوى السياسية، إنّ المعارضة تلتزم الآلية الدستورية ولا تعطّل بل تطالب بري بالدعوة فوراً إلى جلسات مفتوحة، فيما «الثنائي الشيعي» لا يلتزم الآلية الانتخابية ويريد حواراً ويعطّل الانتخابات بإغلاق أبواب المجلس و»فرط» النصاب.
أمّا إذا أراد «الحزب» استثمار الحوار مع باسيل في إطالة الشغور علّه يفتح ثغرة في الجدار الحائل دون وصول فرنجية، فستتعامل المعارضة وفق قاعدة «الحزب» نفسها: لا عودة إلى خطأ 14 آذار بالتنازل تحت عنوان: «أم الصبي» للحفاظ على الدولة والمؤسسات، فالتنازل لم يثبت جدواه مع «حزب الله». وإنّ الخروج من الشغور الرئاسي يتطلّب تنازلات متبادلة، وإذا لم يتراجع «حزب الله»، لن تحصل الانتخابات حتى لو طال الفراع عقوداً.