الخشية من ترحيل الانتخابات الرئاسية إلى المجهول بعد الاتفاق على رفع سن تقاعد قائد الجيش
أكثر من مؤشر، حمله إقرار المجلس النيابي التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون سنة اضافية في موقعه، برغم كل الضجيج والصخب السياسي الذي واكبه، اولها تلاقي رغبة اغلبية الاطراف السياسيين، مع رغبة دول اللجنة الخماسية المؤلفة من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، على بقاء قائد الجيش بموقعه، نظرا الى الثقة التي يحظى بها في الداخل والخارج معا، وحفاظا على تماسك المؤسسة العسكرية وابعاد اي خلل اواهتزاز، قد يؤثر سلبا في دورها وفاعليتها بارساء الامن والحفاظ على الاستقرار في البلاد، في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة، وابقاء الجيش على جهوزية تامة، لتولي مهمات وموجبات تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي ١٧٠١، بالتعاون مع قوات الامم المتحدة العاملة في جنوب لبنان، بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية الاجرامية على غزّة.
المؤشر الثاني، هو انه بالامكان تكرار هذا التفاهم الذي انتج الاتفاق على التمديد لقائد الجيش، وجمع الاضداد السياسيين، من اطراف الموالاة والمعارضة والمستقلين والتغيريين وغيرهم، في عملية انتخاب رئيس للجمهورية في المدى القريب، برغم كل الاعتراضات والخلافات القائمة بين هؤلاء، اذا توافرت عوامل مشابهة وظروف مؤاتية لذلك.
المؤشر الثالث هو تسليم كل الذين ساهموا ودعموا عملية التمديد لقائد الجيش سنة اضافية، باستحالة اجراء الانتخابات الرئاسية في الوقت الحاضر، لاسباب واعتبارات، لم يكشفوا عنها علانية، وإن كانت الحرب الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزة وتداعياتها على لبنان والمنطقة كلها في مقدمتها، والخلافات الاقليمية والدولية من بينها.
ولذلك لوحظ بوضوح ان اولويات مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي ايف لودريان المخصصة أساسا، لمساعدة اللبنانيين لانتخاب رئيس جديد للجمهورية تبدلت في زيارته الاخيرة للبنان، من طرح موضوع تسهيل وتسريع انتخاب الرئيس، كما فعل في زيارتيه السابقتين، الى مطالبة كل الذين قابلهم بدعم التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون اولا، بالتزامن مع إلحاح سفراء دول اللقاءالخماسي مع كل الاطراف السياسيين الأساسيين لدعم التمديد، ما يظهر بوضوح مدى الاهتمام والاهمية باتخاذ مثل هذا القرار.
ولكن برغم هذه المؤشرات، ومبررات التمديد لقائد الجيش، والارتياح الذي تركه على الجو السياسي العام، بعد اسابيع مشدودة من التشنج والقلق الذي ساد البلاد والخشية من عرقلة وتعطيل قرار التمديد وتداعياته السلبية المحتملة، تركت الحملات السياسية العالية السقوف التي واكبت العملية، من بداياتها وحتى موافقة المجلس النيابي عليه، انطباعا لدى بعض المراقبين السياسيين، بأن بعض الاطراف السياسيين استغل حدث التمديد لقائد الجيش، للترويج له وتسليط الأضواء على صوابية هذا القرار للمصلحة العامة، بينما الهدف غير المعلن
جراء هذا الضجيج، هو للتغطية على الفشل الذريع لهذه الاطراف في اتخاذ اي مبادرة او خطوة لإجراء الانتخابات الرئاسية، والعجز عن التقدم ولو خطوة واحدة باتجاه تحقيقه، بعد اكثر من عام على الفراغ الرئاسي، والاستعاضة عن هذا الفشل باستهداف الخصوم السياسيين.
في الخلاصة، تحول حدث التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، في اخراجه الى حيِّز التنفيذ، عن قصد أو مواربة، وباستغلال بعض الاطراف السياسيين، إلى فرصة مؤاتية لتصفية حسابات سياسية، طالت ممارسات وارتكابات عهد ميشال عون وصهره مع كل الاطراف السياسيين من دون استثناء، كما اظهرت لائحة الداعمين للتمديد والرافضين القلائل له.